نتعرض للأسبوع الرابع على التوالى بنظرة تحليلية لما هو متوقع أنه فى انتظارنا على مدار سنة 2018 من إجراءات اقتصادية جديدة فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى اتفقت عليه الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولى فى مقابل الحصول على قرض تبلغ قيمته الإجمالية 12 مليار دولار، يُصرف على 3 سنوات وستة دفعات ويسبق كل دفعة منهم مراجعة الصندوق لمدى التزام الحكومة المصرية بما اتُفق عليه من شروط، شاملاً تقييم لأداء اقتصاد الدولة بشكل عام على خلفية تلك الخطوات.
ومن ضمن ما تعهدت به الدولة فى هذا الإطار هو أن تقوم بفصل السلطة التنظيمية للنقل العام عن وزارة النقل وإنشاء جهاز تنظيم النقل المستقل فى يونيو 2018 وهو ما ربما يكون مقدمة لخصخصة على الأقل أجزاء من النقل العام إن لم يكن كله، خاصة بالنظر إلى اقتحام شركات قطاع خاص مصرية وأجنبية لمجال النقل الجماعى مؤخراً وهى تشكو بالفعل من التعقيدات الإدارية التى تواجهها وصعوبة التعامل مع السوق المصرى على خلفية تعدد الجهات المسئولة وتضارب الاختصاصات.
ولا شك على الإطلاق فى أن هناك احتياج حقيقى لتحسين جودة خدمات النقل العام التى صارت عائقاً فعلياً أمام فاعلية القطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة بما لذلك من تأثير سلبى للغاية على عدد ساعات العمل المُنتجة حيث تُهدر الملايين منها كل شهر بلا طائل فى زحام الأتوبيسات وأعطالها المستمرة أو فى توقف خطوط المترو لأسباب تتعلق بإنعدام كفاءة العنصر البشرى من ناحية والفنى التكنولوجى من جانب آخر.
ولكن إن كان الهدف من إنشاء جهاز تنظيم النقل المستقل هو فعلياً خصخصة خدمات النقل العام يجب علينا طرح تساؤلات مختلفة حول مدى إمكانية تحقيق ذلك الهدف وأيضاً مدى جدواه والنتائج المرجوة منه عدا إثقال كاهل المواطن بالمزيد من الأعباء لأن ترك هذه الخدمات الحيوية والاستراتيجية لهوى القطاع الخاص لابد من أنه سيُنتج زيادة مُطردة فى أسعارها، أما إذا كان الغرض هو رفع كفاءة التشغيل وإدارتها بعيداً عن البيروقراطية الحكومية، فتكون هذه بالطبع خطوة محمودة تستحق الثناء.
كما وعدت الحكومة أيضاً أن تنتهى بأسرع ما يمكن من وضع خطة الطروحات الحكومية لزيادة رأسمال الشركات العامة من خلال البورصة أو وسائل أخرى قد تتضمن بيع أنصبة منها بأحجام مختلفة للمستثمرين وبما سيؤدى أيضاً إلى شكل من أشكال الخصخصة وإن كانت غير ظاهرة للعيان فى جميع الأحوال، ولكن غايتها النهائية واضحة لما كانت تتبع نهجاً نعرفه جيداً منذ أن رأيناه للمرة الأولى إبان عصر حكومة د/عاطف عبيد فى بداية الألفية الجديدة.
وربما يكون من الأوقع هنا التفكير فى إعادة تأهيل هذه الشركات عبر إمدادها بقروض معبرية من بنوك مثل «الاستثمار القومى» و«التنمية الصناعية والعمال المصرى» رغم الضعف النسبى لقدراتها التمويلية وكل ما تورطت فيه عبر السنين من عمليات مصرفية خاسرة قبل أن تبدأ حتى.
هذا بعيداً عن ما قد تتكلفه خصخصة هذه الشركات من فرص عمل لن يتبقى لأصحابها – إن تم تسريحهم – أى مصدر رزق ينفقون منه على عائلاتهم وهو البعد الاجتماعى الذى يجب مراعاته حتى ولو لم يكن يتصدر قائمة أولويات صندوق النقد الذى لا يعرف فى نهاية الأمر سوى لغة الآلة الحاسبة واعتبارات الربح والخسارة وهو ما لا يتسق مع الواقع المصرى المُعاش حالياُ، فهم لا يرون ما نراه ولا يعانون ما نعانيه.
ومن ثم أعتقد أن برنامج الطروحات الحكومية المزمع الذى يشمل شركات خدمية وصناعية كبرى يتسم نشاطها بخواص استراتيجية شديدة الحساسية يجب أن يخضع لمراجعة دقيقة من منطلق تداعياتها على القطاعات الشعبية والجماهيرية العريضة.
لا يعنى حديثى هذا بالضرورة أنه يجب إيقاف تلك الطروحات، ولكن المُضى بها قدماً دون فهم شامل لجوانبها المختلفة قد يأتى بنتائج عكسية، ربما يكون من شأنها القضاء عليها نهائياً بدلاً من إعادتها للحياة.
فما نحتاجه حقاً فى هذا الشأن هو رؤية حقيقية وشاملة ذات أبعاد متعددة لا تكتفى بمجرد خانات الدفاتر المحاسبية غير المُعبرة إلا عن نفسها.
بقلم: محمد شيرين الهوارى
الخبير فى الاقتصاد السياسى