الواقع أن الزخم المتوقع لعامى 2018 و2019 سيتباطأ فى نهاية المطاف، سيتباطأ لأن التنشيط المالى بدأ ينحسر، وهو ما يشمل الولايات المتحدة والصين؛ ولأن أسعار الفائدة آخذة فى الارتفاع والأوضاع المالية تزداد شدة مع عودة البنوك المركزية الكبرى إلى السياسة النقدية العادية، أضف إلى ذلك قضية شيخوخة السكان وضعف الإنتاجية، فتكون أمام آفاق تحيط بها التحديات على المدى المتوسط، خاصة فى العالم المتقدم، فما الذى يستطيع صناع السياسات القيام به؟ أرى ثلاث أولويات يمكن أن تحدث فرقا فى هذا الصدد.
ثلاث أولويات للاقتصاد العالمى أولاً ـ الابتعاد عن الحمائية، ينبغى للحكومات أن تبتعد عن الحمائية بكل أشكالها، فالتاريخ يشير بوضوح إلى الضرر الذى تلحقه قيود الاستيراد بالجميع، خاصة المستهلكين الفقراء. فهى لا تقود إلى زيادة ثمن المنتجات ومحدودية الخيارات المتاحة فحسب، إنما تؤدى أيضا إلى منع التجارة من القيام بدورها الأساس فى دعم الإنتاجية ونشر التكنولوجيات الجديدة. ونتيجة لذلك، حتى الصناعات المحمية ستعانى فى نهاية المطاف لأنها ستصبح أقل ديناميكية من القطاعات المنافسة الأجنبية. ومع ذلك، فغالبا ما ترتبط المناقشات حول القيود التجارية بمفهوم العجوزات والفوائض التجارية. فيرى البعض أن هذه الاختلالات تشير إلى ممارسات تجارية غير عادلة. لكن هناك بالفعل ممارسات غير عادلة ـ يجب التخلص منها ـ ويمكن أن تترك أثرا فى الموازين التجارية بين أى بلدين. ولكن بشكل عام، تمثل هذه الاختلالات الثنائية انعكاسا لتوزيع العمل عبر الاقتصادات، بما فى ذلك سلاسل القيمة العالمية. فعلى سبيل المثال، البلد الذى يركز على تجميع الهواتف الذكية غالبا ما يكون لديه عجز تجارى ثنائى تجاه البلدان التى تنتج المكونات، وفوائض تجاه البلدان التى تشترى هذه الأجهزة كاملة الصنع. والأهم من ذلك أن الممارسات التجارية غير العادلة لها تأثير ضئيل فى العجز التجارى الكلى فى أى بلد تجاه بقية بلدان العالم. ويرجع هذا الاختلال إلى أن البلد المعنى ينفق أكثر من الدخل الذى يحققه. وأفضل وسيلة لمعالجة هذه الاختلالات الاقتصادية الكلية ليست فرض تعريفات جمركية، بل استخدام سياسات تؤثر فى مُجْمَل الاقتصاد، كأدوات المالية العامة أو الإصلاحات الهيكلية، فالولايات المتحدة مثلا يمكن أن تساعد فى معالجة الاختلالات العالمية المفرطة من خلال كبح ديناميكية الإنفاق العام بالتدريج وزيادة الإيرادات ـ وهو ما يمكن أن يساعد على خفض عجز المالية العامة فى المستقبل. وتستطيع ألمانيا، وهى تواجه مشكلة شيخوخة السكان، استخدام مدخراتها الزائدة فى دعم نموها الممكن، وذلك بطرق منها الاستثمارات فى البنية التحتية المادية والرقمية. فما الذى يستطيع صناع السياسات القيام به بشأن الممارسات غير العادلة؟ كل بلد عليه مسئولية تجاه تحسين النظام التجارى أن ينظر فى ممارساته الخاصة والالتزام بتهيئة ساحة يتنافس فيها الجميع على قدم المساواة فى ظل الالتزام بالقواعد المقررة. ويتضمن هذا تحسين حماية الملكية الفكرية، والحد من تشوهات السياسات التى تعطى أفضلية لمؤسسات الدولة. وهو يعنى أيضا ممارسة التجارة بناء على القواعد المستقرة ـ قواعد منظمة التجارة العالمية التى اتفق عليها كل البلدان الأعضاء الـ 164. يمكننا جميعا عمل المزيد – لكننا لا نستطيع ذلك بمفردنا… (يتبع).