«كتالونيا» مصدر القلق وتشعل فتيل المخاطر السياسية على المدى الطويل
نما الاقتصاد الإسبانى بنسبة 3% على مدى السنوات الثلاث الماضية، أى أعلى بكثير من متوسط نمو منطقة اليورو، ورفع صندوق النقد الدولى توقعاته لنمو إسبانيا العام الجارى من 2.4% إلى 2.8% متفوقاً على فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، قامت وكالات التصنيف الثلاث «موديز»، و«ستاندرد آند بورز»، و«فيتش» بتحسين تصنيفات الديون السيادية لإسبانيا.
جاء ذلك فى الوقت الذى تراجعت فيه تكاليف الاقتراض الإسبانى بحدة على مدى الأشهر الستة الماضية، وتراجعت معدلات البطالة من 26% فى عام 2013 إلى 16% فى الوقت الحالى.
وقال ألبرتو نادال، وزير الدولة الإسبانى لشئون الميزانيات، «نحن نمر بأعظم فترة اقتصادية فى التاريخ الإسبانى».
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن النمو لا يزال يمضى على طريق التعافى بعد وصول الاقتصاد إلى قاعدة منخفضة للغاية بعد أزمة مالية صعبة.
وكشفت البيانات، أن البطالة لا تزال ضعف متوسط منطقة اليورو، ولا يتجاوز الحجم الإجمالى للاقتصاد فترة عام 2007، لكنَّ الاقتصاديين وقادة الأعمال والسياسيين يقولون، إن التطور الإيجابى الحقيقى فى الاقتصاد الإسبانى ليس معدل النمو، ولكن حقيقة أن النمو أصبح مدفوعاً الآن بقوة الصادرات.
وأوضح «نادال»، أن الحكومة بذلت المزيد من الجهود فى التوسع الخارجى؛ لأننا اضطررنا لذلك ولكنه أصبح الآن يؤتى ثماره بالفعل.
وفى أوائل العقد الأول من القرن الحالى كان الاقتصاد الإسبانى مزدهراً، أيضاً، لكنه كان على خلفية الطلب المحلى المدعوم بالديون وقطاع الإنشاء غير التنافسى؛ بسبب الفقر الشديد.
وبلغ العجز التجارى أكثر من 100 مليار يورو للفترة نفسها، وتشكل الصادرات الآن ثلث الناتج القومى، مقارنة بمعدلات ما قبل الأزمة، وكان يوجد فائض فى الحساب الجارى بقيمة 22 مليار يورو خلال العام الماضى.
وتقلص قطاع البناء المحلى بسرعة، وحلَّ محله الصناعات التحويلية وغيرها من الصناعات ذات المهارات العالية.
وقال دانيال لاكال، كبير الاقتصاديين بشركة «تريسيس» لإدارة الصناديق، إن الاقتصاد الإسبانى يشهد نمواً قوياً، ولكنه أيضاً يعد نمواً أكثر مرونة.
وأعلنت وكالة «موديز» للتصنيف الائتمانى، الشهر الماضى، أن التغيرات الهيكلية فى الاقتصاد غيرت نموذج النمو ليتحول إلى نموذج دائم وعلى نطاق أوسع وأكثر استدامة من التعافى فى الماضى.
وأشار «نادال»، إلى الزيادة فى عدد شركات التصنيع المعتمدة على التصدير، مضيفاً أن الاقتصاد الإسبانى فى طريقه للوصول إلى معدل النمو فى ألمانيا.
وقال الاقتصاديون والشركات، إن الأزمة الاقتصادية العميقة التى شهدتها إسبانيا فى عام 2008 قد وضعت الأسس لتحسين مناخ الأعمال.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن الأزمة الاقتصادية فى الماضى أدت لانخفاض الأجور، وفى الوقت نفسه جعلت إصلاحات سوق العمل أكثر ملاءمة للأعمال.
وقال رافائيل فاسكيز، نائب رئيس الإنتاج بمصنع «كونيسا» لمعالجة الطماطم فى مدينة إكستريمادورا، جنوب غرب البلاد، «لقد تسبب تعديل الأجور فى زيادة القدرة التنافسية والكفاءة للعديد من الشركات الإسبانية«.
ونقلت الصحيفة عن بعض رجال الأعمال، أن الأزمة المالية أجبرتهم على احتضان التوسع الخارجى بسبب انهيار السوق المحلى.
وأضافوا، »لقد بدأنا ببذل مزيد من الجهود فى التوسع الخارجى؛ لأننا اضطررنا لذلك، وهذا الأمر يؤتى ثماره الآن، ويوجد ارتفاع فى الإنتاجية المطلقة منذ الأزمة المالية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بعض الشركات الإسبانية الأقل كفاءة قد تعطلت خلال الأزمة، وأن الوضع بالنسبة للاقتصاد الإسبانى والتصنيع ليس وردياً للغاية”.
ولكن لا يزال هناك العديد من المخاوف بين الاقتصاديين ورجال السياسة؛ حيث تعمل إسبانيا مع حكومة أقلية منذ عام 2015، والتى لم تتمكن من إجراء إصلاحات هيكلية كبيرة، ما قد يقلل من احتمالات النمو فى المستقبل.
وقال رودولف ألفيز لينخ، المحلل فى وكالة التصنيف الأوروبية «سكوب»، إن الخطر يكمن فى المضى قدماً فعلى الرغم من بقاء الاقتصاد على مسار قوى، فإنَّه من المرجح أن يكون الاتجاه أقل ديناميكية.
وفى الوقت نفسه، يشكل الضغط من أجل الاستقلال فى منطقة كتالونيا مصدر قلق، وفى تقييمها للتصنيف للائتمانى، قالت «فيتش» إنه على الرغم من أن الأثر الاقتصادى كان «محدوداً» فإنَّ إعلان الحكومة الكتالونية للاستقلال فى أكتوبر الماضى زاد من المخاطر السياسية فى البلاد على المدى الطويل.