الرئيس يصر على نموذجة الاقتصادى ويتحدث عن مؤامرة على الاقتصاد التركى
تكلفة التأمين على السندات التركية تتخطى نظيرتها اليونانية وارتفاع مطالب هيكلة ديون الشركات
ملامح الموقف الحالى: رفض أسعار الفائدة المرتفعة ..رفض اللجوء إلى صندوق النقد ..غموض حول المستقبل
الليرة الأسوأ أداء فى العالم خلال 2018 بعد فقدان 36% من قيمتها والفائدة على السندات تتخطى 20%
ما الذى يحدث؟
ببساطة تسارعت معدلات تراجع الليرة التركية، وبينما يستمر الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى الحديث عبر وسائل الإعلام تستمر عملة بلاده فى التراجع على وقع تصريحاته التى لا تستسيغها الأسواق.
وتراجعات العملة التركية ليست وليدة أمس، فهى مستمرة منذ بداية العام الحالى، مع ارتفاع معدلات التضخم وانتقادات أردوغان لسياسة الفائدة المرتفعة، والتشديد النقدى الذى تشهده الأسواق العالمية خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية وما صاحب ذلك من تشديد نقدى فى أسواق ناشئة أخرى حول العالم تنافس الاقتصاد التركى على جذب المستثمرين فى ديونها، وكلها أسباب أدت لتراجع الليرة التركية، مع استمرار العجز الكبير فى الحساب الجارى والذى تجاوز 6%، وللتدليل على مدى خطورته يكفى الإشارة إلى أن هذا العجز يعادل تقريبا عجر الحساب الجارى لدى مصر عندما اضطرت إلى بدء برنامجها القاسى للإصلاح الاقتصادى قبل عامين إثر انهيار قيمة الجنيه.
وبينما كانت الأرجنتين ترفع أسعار الفائدة لديها إلى 40% لوقف تراجع عملتها وتقليص الآثار السلبية لارتفاع الفائدة الأمريكية على اقتصادها، كان الرئيس التركى يعارض علنا رفع الفائدة، ورغم ذلك أقدم البنك المركزى التركى على رفعها ثلاث مرات متتالية لتصل إلى 17.75% لكن تصرحات أردوغان تركت آثارها السلبية بالفعل على ثقة المستثمرين الأجانب فى استقلالية البنك المركزى، وما عزز هذه النظرة تثبيت البنك المركزى لأسعار الفائدة فى أول اجتماع له بعد تولى أردوغان الرئاسة التنفيذية التى تمنحه صلاحيات واسعة فى وقت كانت الأسواق تتوقع فيه استمرار رفع الفائدة لوقف نزيف الليرة.
وساعدت عدة عوامل فى الأيام الأخيرة على تسارع هبوط العملة، أبرزها الخلافات مع الولايات المتحدة حول استمرار حبس قس أمريكى فى تركيا لاتهامه بالإضرار بالأمن القومى التركى، وأدى ذلك لتبنى الرئيس الأمريكى لسياسات تستهدف الصادرات التركية من الصلب والألومنيوم وتهديده بمزيد من الإجراءات.
وأدى ذلك إلى فقدان الليرة 20% يوم الجمعة، لتصبح العملة صاحبة أسوأ أداء فى العالم منذ بداية العام الحالى بعدما فقدت 36.3% من قيمتها، متخطية البيزو الأرجنتينى الذى احتل هذه المرتبة حتى يوم الخميس الماضى.
ما آخر التطورات؟
انخفضت السندات التركية وأصبحت الفائدة عليها الأعلى فى العالم متخطية السندات الأرجنتينية لتتجاوز 20% لسندات 20 عاما، وخلقت تراجعات العملة الكبيرة ضغوطا عالية على الشركات التركية التى لديها التزامات مقومة بالدولار، وستواجه بعض تلك الشركات صعوبات بالوفاء بالتزاماتها تجاه البنوك والدائنين الآخرين بعد ارتفاع أعباء الدين بشكل كبير.
وتجاوزت تكلفة التأمين على السندات التركية من مخاطر عدم السداد نظيرتها اليونانية يوم الجمعة، بعدما بلغت 3.80% نتيجة ارتفاعها عدة أيام متتالية.
وكانت البنوك تعانى بالفعل من ضعف قيمة الليرة التركية وموجة من مطالب إعادة هيكلة الديون من الشركات، التى تصل قيمة التزماتها الحالية إلى 337 مليار دولار مع عجز قدره 217.3 مليار دولار مقابل الأصول، كما ترتفع تكاليف الاقتراض أيضاً إلى ما يزيد عن 100 مليار دولار فى مدفوعات الديون المستحقة على مدار العام.
ما الذى ستفعله تركيا للتعامل مع الوضع؟
لا شىء واضح على الإطلاق، وأدى خطاب لأردوغان يوم الجمعة للتعليق على العقوبات الأمريكية وتراجع عملة بلاده إلى تعزيز تراجعها، وفشل الخطاب فى استعادة ثقة المستثمرين.
وأصر أردوغان فى خطابه على معارضة رفع أسعار الفائدة وتحدث عن مؤامرة على اقتصاد بلاده، وساعد الرئيس الأمريكى فى تعزيز وجهة نظر أردوغان، التى يرجع فيها سبب مشكلات بلاده إلى التآمر وليس إلى سوء الإدارة، عندما غرد على تويتر يوم الجمعة قائلا “أصدرت للتو أمرا بمضاعفة رسوم الصلب والألومنيوم فيما يتعلق بتركيا في الوقت الذي تتراجع فيه عملتهم، الليرة التركية، تراجعا سريعا أمام دولارنا القوي جدا!. رسوم الألومنيوم ستصبح 20% والصلب 50%. علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة حاليا!”.
ردا على ذلك دعا أردوغان الأتراك لصرف ما يملكونه من عملات لدعم الليرة قائلا “إن كانوا يملكون دولارات، فنحن لدينا شعبنا، لدينا الحق ولدينا الله”.
وقال: «سيكون هذا رد أمّتى على الذين أعلنوا حربا اقتصادية ضدنا»، متهما «لوبى معدلات فوائد غامض» مؤكدا «لن نخسر الحرب الاقتصادية».
تصريحات أردوغان الأخرى تشير إلى رفض إمكانية اللجوء لصندوق النقد الدولى، وليس معروفا ما إذا كانت البلاد ستلجأ لفرض ضوابط على راس المال وهو الإجراء الذى قد يفاقم الأوضاع.
ويتمسك الرئيس التركى بسياسة النمو القوى، ويقول إن الفائدة المنخفضة ستشجع على جذب الاستثمارات المطلوبة وزيادة الإنتاج والنمو وهو ما يؤدى لانخفاض معدلات التضخم التى تبلغ حاليا 15.85%، وقال وزير المالية برات البيرق إن الاقتصاد التركى سينمو بين 3 و4% خلال العام الحالى.
لكن الأسواق قد لا تنتظر حتى يثبت إردوغان صحة وجهة نظره، وهى تتحرك بسرعة حاليا بطريقة قد لا يمكن معها تدارك الأمور فى المستقبل.
ما وضع الاقتصاد التركى حاليا؟
بخلاف الآداء السيئ للعملة، تمتلك تركيا اقتصاد كبيرا لكنه يحتاج باستمرار إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية من الخارج، بسبب العجز الكبير فى الميزان التجارى ويون الخارجية المرتفعة.
ولدى تركيا ديونا خارجية تبلغ قيمتها 438 مليار دولار تعادل 52% من الناتج المحلى الإجمالى، كما أن بنوكها لديها التزامات خارجية تقد بنحو 224 مليار دولار بحسب وكالة بلومبيرج.
وبلغ عجز الموازنة التركية العام الماضى 1.5% من الناتج المحلى الإجمالى، وتستهدف الحكومة أن يصل خلال العام الحالى إلى 1.9%، قبل أن يأخذ مسارا هبوطيا بدءا من العام المقبل ليسجل 1.6% فى 2020.
ورغم الطفرة التصنيعية التى شهدتها تركيا والزيادة الكبيرة فى صادراتها فى السنوات الأخيرة إلا أنها تدير عجزا تجاريا ضخما، وبلغت صادراتها 157.5 مليار دولار العام الماضى، بينما بلغت وراداتها 234.2 مليار دولار، نتيجة اعتمادها على استيراد المواد الخام والطاقة من الخارج.
وتعد الاستثمارات الأجنبية غاية فى الأهمية لغلق فجوة الحساب الجارى، وبلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة العام الماضى 10.9 مليار دولار، متراجعة من 12.3 مليار دولار فى 2016، وبلغت عائداتها من السياحة 28 مليار دولار العام الماضى.