قطاع التصنيع يشكل أولوية لقادة القارة فى الفترة المقبلة
يعتزم قادة أفريقيا ، مضاعفة مساعيهم من أجل جذب الصين نحو عقد مزيد من الاستثمارات فى الصناعات التحويلية خلال الأسبوع المقبل.
ويشهد الأسبوع المقبل، اجتماع القادة في بكين لحضور قمة “فوكاك”، التي سيسعون من خلالها لتفنيد اتهامات الديون والتبعية.
وفي الماضي كانت القمة، والتى تنعقد كل 3 أعوام حول التعاون الصينى الأفريقى، بمثابة حافز لتعميق العلاقات، التى كانت تتوقف قبل عقد مضى على جهود بكين للحصول على سلع مثل البترول والنحاس مقابل الاستثمار في البنية التحتية في الدول الأفريقية، ولكن الحكومات الأفريقية، التى تتعرض جزئياً لضغوط من مواطنيها، تخطط لاستخدام قمة العام الحالي، للحث على عقد صفقات تخلق وظائف محلية ونقل المهارات والتكنولوجيا.
وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن الدبلوماسيين اﻷفارقة كثفوا ضغوطهم على الصين للوفاء بتعهداتها بتقديم قروض جديدة من أجل استخدامها بشكل أساسي للاستثمار في قطاع التصنيع الذي يمكن أن يساعد في توظيف جيل صاعد من شباب المدن.
ويمكن أن تؤدي عملية جذب وظائف في القطاعات الصناعية التي تطرح منتجات منخفضة السعر، والتي يتم تسعيرها خارج الصين، إلى معالجة عجز الميزان التجارى لأفريقيا مع بكين، الذي كان يعد مصدراً للخلاف، الذي زال نتيجة انتعاشة أسعار البترول والسلع، ولكن الشركات الأفريقية تلوم الواردات الصينية فى إبادة قطاعات التصنيع المحلية.
وبحسب مبادرة البحوث الصينية الأفريقية التابعة لكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز اﻷمريكية، تتجه نحو 13% من الاستثمارات الصينية في أفريقيا إلى الصناعات التحويلية.
وأصبحت أفريقيا ساحة اختبار لمبادرات الصين الخارجية، بدءاً من مفاوضات حفظ السلام ومفاوضات الديون، وصولا إلى تشييد علامات تجارية للمستهلكين.
بالإضافة إلى ذلك، استهدفت بكين الدول الخالية من السلع، خصوصاً إثيوبيا، التي تعرف بكونها دولة سريعة النمو تتمتع باقتصاد محكوم مركزيا ينصب نفسه كمركز للصناعات التحويلية.
وأصبحت الصين أكبر شريك تجارى لأفريقيا في عام 2009، إذ استوردت الشركات الصينية مزيدا من السلع الأفريقية، كما أن السلع الصينية المصنعة تشكل أكثر من 80% من صادرات الصين إلى أفريقيا، ولكن مع تباطؤ الطلب على السلع، اتسع العجز التجارى ﻷفريقيا مع الصين، لدرجة أنه تعادل مع العجز التجارى ﻷفريقيا مع بقية العالم عام 2016.
ويشكو البيروقراطيون الصينيون، من صغر حجم الأسواق الأفريقية للغاية وتجزأتها بالنسبة للمشاريع الكبيرة التي تنال إعجاب مخططى الدولة، كما أنهم يتذمرون من رفض الدول الأفريقية ابتكار خطط إقليمية للتنمية المتكاملة.
وقال الباحث فى الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، شن شياولى، إن الجانبين لديهما مصالح مشتركة.
فعلى سبيل المثال تحتاج أفريقيا إلى بعض من الطاقات الزائدة التى تمتلكها الصين، مضيفاً أن السوق الأفريقى بعيدة كل البعد عن مرحلة النضج فى معظم المدن، نظرا للافتقار إلى وجود الطبقة المتوسطة، ولكن من المحتمل أن تكون سوقاً كبيرة جداً.
وتقوم المجموعات الصينية المملوكة للدولة بعمل جيد في تشييد البنية التحتية الممولة بالديون، ولكنها سجلت أداءً ضعيفاً فيما يخص الصناعات التحويلية.
وأوضحت مبادرة البحوث الصينية اﻷفريقية، أن مشاركة المجموعات الصينية أدت إلى ارتفاع مستويات الديون ما تسبب فى أزمة القروض التي عانت منها زامبيا وبرازافيل.
وقال ديفيد ألكسندر، الذى يدير شركة “بايسبورس جلوبال” التى تتخذ من ولاية فلوريدا مقراً لها، إن كل هذه اﻷمور تبدو جيدة بالنسبة ﻷفريقيا في بعض الجوانب، فهي ستخلق فرص عمل جديدة وتؤدى إلى تحسن ملحوظ فى البنية التحتية، محذراً من أن شروط التمويل الذى يركز على البنية التحتية قد تعنى عودة الإيرادات إلى المستثمرين الصينيين.
وفي الوقت الذي تصبح فيه الصناعة الصينية أكثر تكلفة أو أكثر صعوبة، تتحول العديد من الشركات اﻷجنبية المصنعة إلى خارج الصين الساحلية لتتجه إلى جنوب شرق آسيا وبنجلادش.
وقالت مديرة مبادرة البحوث الصينية الأفريقية، ديبورا براوتيجام، إن هناك مساحة ﻷفريقيا أيضاً، إذ يتطلع قليل من الأفراد إلى أفريقيا، خصوصا مصنعى الجلود والقفازات.
وقالت مجلة “فورين بوليسى” اﻷمريكية، إنه منذ أول “فوكاك” انعقد عام 2000، نمت الصين من مجرد مشارك صغير الحجم في أفريقيا لتصبح مصدر ما يقرب من 200 مليار دولار فى التجارة، وفى الفترة بين عامي 2001 و2011 خصصت الصين أيضاً 75 مليار دولار مساعدات للقارة، أي ما يعادل 20% من إجمالي 404 مليارات دولار قامت لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بتقديمها خلال تلك الفترة.
وعكس المساعدات الغربية، التى تأتى بشكل رئيسي في شكل تحويلات نقدية وتحويلات للمواد، تتكون معظم المساعدات الصينية من ائتمانات التصدير وقروض للبنية التحتية- تقدم بنسبة قليلة من الفائدة أو بدون فائدة – التى تتسم بالسرعة والمرونة وبدون شروط إلى حد كبير.
وفى ظل هذه القروض، قدر صندوق النقد الدولي امتلاك الصين نحو 15% من إجمالي الديون الخارجية لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى اعتبارا من عام 2012، مرتفعة من 2% فقط عام 2005.
كما تعتقد شركة “ماكينزى إند كومبانى” اﻷمريكية، أن القروض الصينية تمثل حوالي ثلث الديون الجديدة التي تتكبدها الحكومات الأفريقية، اعتباراً من 2015.
وحذر العديد من المراقبين، من الخطر الحقيقي الكامن خلف الإقراض الصيني الذي يقوض سيادة أفريقيا والمصالح الأمريكية في المنطقة.
فعلى سبيل المثال أقر وزير الخارجية اﻷمريكي ريكس تيلرسون، في تصريحات له بداية العام الجاري، بقدرة الاستثمار الصيني على معالجة فجوة البنية التحتية في أفريقيا.
وفي الوقت نفسه، أعرب تيلرسون عن أسفه لتسبب هذا النهج في تزايد الديون وعدد قليل، إن وجد، من الوظائف في معظم الدول، كما أنه يشجع على التبعية باستخدام عقودا مبهمة وممارسات القروض الافتراسية والصفقات الفاسدة التي توقع الدول في الديون وتقوض سيادتها، مما يحرمها من النمو الطويل الأمد المستدام ذاتيا.
ومن الناحية النظرية، ينبغي أن تؤدي المنافسة المتزايدة على العقارات والموارد الأفريقية إلى تعزيز القدرة على التفاوض لدى الحكومات الأفريقية، وهو ما يعتبر أمراً جيداً بلا شك، ولكن السؤال هنا سيدور حول ما إذا كان القادة الأفارقة سيرتقون إلى هذا المستوى أم سيوافقون على الصفقات التى قد تحقق مكاسب قصيرة الأمد ذات تكاليف كبيرة على المدى الطويل.
وتعد الصين الفاعل العالمي الوحيد القادر واقعيا على التخفيف أو إظهار اهتمام على اﻷقل في معالجة العجز الهائل في البنية التحتية في أفريقيا، خصوصا في مجال الطاقة والنقل، والذي سيتكلف 90 مليار دولار سنوياً حتى العقد المقبل، كما أن الصين بحاجة إلى موارد أفريقيا الطبيعية وأسواق التصدير لدعم نموها الاقتصادى.