بقلم: محمد العريان
مستشار اقتصادى لمجموعة “أليانز”
يدخل العالم 2019 بكثير من عدم اليقين بشأن آفاق النمو العالمى، وتبدلت حماسة العام الماضى بشأن الارتفاع المتزامن فى النمو بغضب كان يركز فى البداية على الصين وأوروبا وبدأ ينتشر بشكل متزايد فى أمريكا، النقطة المشرقة الوحيدة وواحدة من أكبر خالقى الوظائف ومحركى التجارة الدولية، وهو ما يحمل مخاطر أعلى بتغذية آليات ذاتية سلبية بين أسعار الأصول والتجارة والنشاط الاقتصادى ما يحد من إمكانية تحقيق النمو الشامل ويعقد الآفاق السياسية المعقدة بالفعل.
ولحسن الحظ، إذا تمكنت الحكومة والكونجرس الجديد من العمل معاً، فهناك مجالات يمكن أن تقود فيها الولايات المتحدة وهو ما سيكون لصالح الاقتصاد المحلى فى الأساس والعالم أيضاً.
وتسبب التفاؤل العام الماضى فى عدم الانتباه بالقدر الكافى للتحديات التى تواجه العوامل المتزامنة التى كان يعتمد استمرارها على تبنى نهج داعم للنمو، وهذا كان صحيحاً خاصة فى أوروبا حيث لم يتم دعم عملية التعافى الاقتصادى الطبيعى بالسياسات الهيكلية المطلوبة منذ وقت طويل لتعزيز التنافسية وحراك العمالة، وبالقرارات السياسية المالية الأكثر توزاناً، وبالتقدم فى استكمال الهيكل الاقتصادى والمالى الإقليمى.
كما أشار مؤشر مديرى المشتريات عن شهر ديسمبر فى الصين إلى انكماش طفيف بقطاع التصنيع، وهو ما أكد أن الدولة أيضاً كانت تتباطأ نتيجة مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية مثل عدم اليقين التجارى، وفشلت محاولات الحكومة فى تعزيز النمو من خلال الأدوات السياسية التقليدية مثل الإقراض المباشر.
وخلال أغلب العام الماضى، برزت الولايات المتحدة بسبب سياساتها الداعمة للنمو التى تضمن تخفيف التنظيمات والمحفزات الضريبية، وحافظ الاقتصاد على أداء قوى فيما يتعلق بالنمو رغم رفع الفائدة 4 مرات من قبل الاحتياطى الفيدرالى والانكماش فى السياسة المالية المتمثل فى تقليص الميزانية تدريجياً.
ولكن عدم استقرار الأسواق فى الأسابيع الماضية، مع الجراح الاقتصادية والمالية الذاتية، ألقت بالشكوك على استدامة مسار النمو الأمريكى، وهو ما جعل أكبر اقتصاد فى العالم عرضة للتباطؤ فى المناطق الأخرى.
وتوجد عدة خطوات يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة لإنعاش آليات النمو:
أولاً، العمل مع الكونجرس الجديد، ويمكن أن تسعى حكومة ترامب لإطلاق مبادرة بنية تحتية، والتى دعمها بشكل عام الديموقراطيون والجمهوريون، والتى من شأنها تعزيز إنتاجية القطاع الخاص وتمكين توسع الناتج والأجور من خلال تحسين وتحديث البنية التحتية القائمة، وتطبيق بشكل أكبر للابتكار التكنولوجى الحديث والمتسارع.
وسوف يستفيد تمويل هذه المبادرة من أسعار الفائدة المنخفضة بشكل استثنائى عند 2.65%، وكذلك من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وأدوات التمويل المبتكرة التى تتضمن مشاركة أكبر للمخاطر بين الطرفين.
ثانياً، اتخاذ تدابير للتعافى من الجراح الذاتية فى الأسابيع القليلة الماضية، وتجنب الجراح الجديدة، وهذا يتضمن إنهاء الإغلاق الجزئى للحكومة، وتجنب المخاوف غير الضرورية بشأن السيولة، وتبنى نهج من قبل الفيدرالى يراه السوق على أنه أكثر حساسية للمخاوف، واثنان منهم بشكل خاص وهما الآثار المرتدة من الأحداث المعاكسة الخارجية والفنية السوقية، وبرنامج تقليص الميزانية “الآلى” الذى قد يكون غير مرن بشكل مفرط.
ثالثاً، تبنى دور قيادى فعال أكبر داعم للنمو فى منتديات صناعة السياسة العالمية مثل مجموعة العشرين، ومجموعة السبعة وصندوق النقد الدولى، وبدون محاولة لعب دور أكبر كمحفز من خلال التأثير فى المناقشات السياسة وتشكيلها، سيكون من الصعب أن تلعب دورا حاسما بوتيرة التباطؤ فى بقية العالم خلال العام الجديد.
وبقيادة الولايات المتحدة وأجندتها الجديدة للنمو، قد تتمكن الاقتصادات المحلية والعالمية من تجنب التباطؤ فى 2019 والذى قد يهدد بشدة الاستقرار المالى، وبدون هذه القيادة، سوف تكون المسألة مسألة وقت قبل أن تقوض الأوضاع الاقتصادية والمالية الضعيفة قوة المؤسسات وتضيف على الضعوط المنتشرة حول العالم بشأن التلاحم الاجتماعى والسياسى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”