الناخبون يفقدون الثقة فى القيادات الحكومية والحزبية
%57 من حزب المحافظين الحاكم يفضلون الخروج من أوروبا دون اتفاق
تعرضت بريطانيا لتحذيرات عالية المستوى فى الأيام الأخيرة من المخاطر الجسيمة المترتبة على مغادرة الاتحاد الأوروبى دون التوصل إلى اتفاق من بينها فقد مليون وظيفة وانخفاض بنسبة 8% فى الناتج المحلى الإجمالى وكساد فى المصانع بل ونقص بدواء الأنسولين وهروب رأس المال وانهيار الجنيه الإسترلينى.
لكن بحانة “هير آند هاوندز” فى “صنبيرى – أون – تيمز”، فى إنجلترا وهو حى صوت بقوة لمغادرة الاتحاد الأوروبى، قوبلت استطلاعات الرأى حول الخروج من الاتحاد بدون اتفاق بعدم الاهتمام، لكن لم يكن السبب فى أن الرجال والنساء الذين كانوا يحتسون الشراب لم يسمعوا التحذيرات بشأن ذلك بل، لأنهم لم يصدقوها.
وقال ستيف ريدلى، “60 عاماً”، إن الحكومة كذبت عليهم مرات عديدة، وتنبأ أن عمله فى استيراد قطع غيار الدراجات النارية لن يتأثر كثيراً بالخروج من سوق أوروبا الموحد بدون اتفاق.
ويرى ريدلى، أن الأمر سيعنى القيام بالمزيد من الأعمال الورقية وفرز الدفاتر حتى ينتهى الساسة من إيجاد الحلول الملائمة فى النهاية معتبراً أن التحذيرات مجرد أسلوب لبث الخوف بين الناس.
وتقول إلين بارى مراسلة نيويورك تايمز فى لندن فى تحليل لها أن هذا هو المكان الذى تقف عليه بريطانيا وهى على أعتاب واحدة من أكبر الخيارات السياسية فى تاريخها فبعد 3 سنوات من الانتهازية السياسية والمناظرة الحزبية، فإن العديد من الناخبين يتمتعون بثقة أقل فى مؤسسات الدولة.
ويسلّط عدد قليل من التغطيات الاعلامية الضوء على هذا الأمر على أنه خطر مماثل للخروج بدون اتفاق ينظم العلاقات مع الاتحاد الأوروبى خصوصاً التجارية، فالأمر الذى يثير مخاوف المشرعين البريطانيين هى رفض قانون الضرائب حال فشل التوصل لاتفاق ومن بعده رفض مجلس العموم للاتفاق المقترح من قبل حكومة تريزا ماى، مما قد يفتح باباً واسعاً للمغادرة دون اتفاق.
ومع اقتراب موعد الخروج اقتربت بعض أقوى الأصوات المؤيدة للخروج من الاتحاد الأوروبى مثل وزير البيئة مايكل جوف بحسب صحيفة “ديلى ميل” من المواقف الأوروبية المتكررة الذى انضم إلى التحذير من ذلك السيناريو.
وسبق وحذرت رئيسة الوزراء المشرعين فى مجلس العموم من أن الإصرار على منح أيرلندا الشمالية وضع قانونى متميز فى الاتفاق المقترح، قد يؤدى إلى تفكك المملكة المتحدة، لكن الكثير من عامة الناس بحسب ما تشير استطلاعات الرأى لا يهتمون بمثل هذه التحذيرات.
وفى الاستطلاعات التى أجرتها “يو جوف” و”بيست” قال 31% من المستطلعين، إنهم يفضلون مغادرة الاتحاد الأوروبى دون التوصل إلى اتفاق إذا ما تم رفض اتفاق “ماى” المقترح مقارنة بـ36% يختارون اللجوء إلى الاستفتاء الثانى و16% منهم قال إنه لا يعرف ما الذى يمكن فعله للخروج من هذا المأزق.
وترتفع نسبة عدم تفضيل أى اتفاق إلى 57% بين أعضاء حزب المحافظين البالغ عددهم 124 ألفاً والذين يلعبون دوراً رئيسياً فى اختيار قادة الحزب.
وقال روب فورد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مانشستر، إن تحذيرات الحكومة تراجعت جزئياً لأن “ماى” أعلنت مراراً وتكراراً أن عدم التوصل لاتفاق مع بروكسل أفضل من صفقة سيئة بالنسبة لبريطانيا مضيفاً أنه لا يعتبر الحكومة مصدراً موثوقاً به.
وأشار إلى أن التحذيرات فى الأسابيع الأخيرة متأخرة للغاية ولا يمكن أن تترسخ بمصداقية وسط هذا الزخم السياسى لأن قناعة الأشخاص تحتاج لفترة طويلة فى مثل هذه الأشياء لتصبح مترسخة جداً.
وقال: “كان يجب أن يقولوا هذا الكلام فى يوليو 2016، وكان ينبغى أن يقال من جميع الأطراف والجهات فى ذلك التاريخ”، فى إشارة إلى الاستفتاء الذى انتهى بالتصويت لصالح الانفصال عن أوروبا الموحدة بعد تصويره أزمات البلاد مثل الهجرة ونقص الوظائف وغيرها من هموم الناس.
ويميل المواطنون فى القضايا التقنية العالية مثل تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى على السياسة التجارية إلى تبنى وجهات نظر المصادر التى يثقون بها كما يقول فورد، مثل هؤلاء السياسيين، ومنصات بث الأخبار، والجماعات المدنية ذات الشعبية التى تعكس نظرتهم للعالم.
وتوصل تحليل فورد للآراء البريطانية حول الخروج بدون اتفاق إلى استنتاجين هما أن الخبراء أخذوا المخاطر أكثر جدية من عامة الناس، وكان الرأى مستقطباً على طول خطوط عمل الأحزاب، مما يوحى بأنها كانت متجذرة فى الولاءات السياسية وليست قناعات شخصية، فيما يشبه الولاء للقبيلة.
وقال إنه بمجرد أن يسيطر التفكير القبلى لا يمكن أن يكون هناك أى شخص قادر على السيطرة بشكل جمعى على منطق الجمهور العام وهذا يعد مصدر كبير للقلق، لأن الشىء الوحيد الذى يمكن أن يحرك عملية التصويت على سبيل المثال هو الاتصال الهاتفى وليس إيمان الأشخاص بالعواقب السيئة للخروج التى قد تحدث لهم.
وأوضح فورد، أن البريطانيين قد يجدون صعوبة أكبر فى تصور الانهيار، بعد أن فروا من الاحتلال النازى فى الحرب العالمية الثانية وعاشوا نوع التغيير الجذرى الذى اجتاح أوروبا الشرقية ما بعد الشيوعية.
وتابع أن فكرة أن كل شىء يمكن أن يقع ويتحطم وأن الأشياء الأساسية يمكن أن تتوقف فقط لا يمكن تخيله فعلياً فهناك فكرة مسيطرة تقول أن الجيمع سيكون على ما يرام فى النهاية، لكن الكارثة أنه قد لا يحدث ذلك.
لكن القلق كان منخفضا فى “هيراند هاوندز” داخل قاعة استراحة للعمال خارج ساعات العمل فى مطار هيثرو، على بعد حوالى 15 ميلاً جنوب غرب لندن.
وكانت هذه المدينة موطناً للعديد من الميكانيكيين والفنيين والعاملين فى المطار الذين صوت أغلبهم لمغادرة الاتحاد الأوروبى بنسبة 60 % إلى 40%، وبحانة فى لندن يتردد عليها عمال بقطاع التمويل من المرجح أن تكون الإجابات مختلفة تماماً.
ويقارن ريدلى بالتوقعات المتصاعدة قبل المهلة التى حددها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بمستوى التوقعات عند الاستعداد لدخول الألفية الجديدة، حيث سارعت الشركات فى جميع أنحاء العالم لتجنب الأعطال التقنية عندما تحولت الأنظمة الرقمية من عام 1999 إلى عام 2000 وظن الناس أن قلب العالم سيتوقف بداية من معامل التحاليل الطبية إلى المفاعلات النووية التى قد تخرج عن السيطرة بحسب الشائعات فى حينها.
وأكد ريدلى، أنه يتذكر أنهم كانوا فى مثل هذه الحالة من الذعر والهلع من أن العالم سينتهى وستتوقف شبكة الكهرباء ولا شىء من ذلك حدث.
وقال سميث وهو ميكانيكى للشاحنات، إنه نادراً ما شارك فى عملية تصويت طوال حياته، لأنه كفرد من الطبقة العاملة لا يعتقد أنه يمكنه الوثوق بأى من السياسيين، ولكن فى اليوم الذى صوت فيه على ترك الكتلة الأوروبية خرج لأنه عاش لحظة نادرة من الإيمان فى النظام لن تتكرر.
أضاف أنه سيتكيف مع مشاكل مثل التأخير فى الطيران والسفر عبر الحدود فإذا كانت قائمة الانتظار أطول قليلاً من الأخرى فهذا جيد فعليهم فقط الانتظار قليلاً فقط وهذا ليس بكارثة من وجهة نظره ففى النهاية لا يملك سوى التجاهل فلا أحد يستطيع أن يقول ما الذى سيحدث لأنه ببساطة لا أحد يعرف.