استثمار الدول النامية فى المظلة التأمينية يقلل تكلفة العلاج
%90 نسبة التغطية التأمينية فى رواندا
كان من المعتاد حتى بالنسبة للناس فى البلدان الغنية أن تختار بين الصحة المالية أو المادية وعندما تم إنشاء خدمة الصحة الوطنية فى بريطانيا وهى أول نظام عالمى للرعاية الصحية فى العالم عام 1948، تلقت الأسر منشورات تخبرها بأن هذه الخدمة سوف “تخلصك من المخاوف على أموالك وقت المرض”، ومنذ ذلك الحين، اتبعت العديد من الدول الأخرى خطط التأمين الصحى الشاملة.
وكلما أصبحت البلدان أكثر ثراءً فإنها تنفق أكثر على الصحة وهذا هو المعروف باسم “القانون الأول لاقتصاديات الصحة”.
وكنسبة من الناتج المحلى الإجمالى، ينفق العالم المتقدم ما يقرب من ضعف ما تنفقه البلدان النامية على الصحة، لكن هذا لا يعنى أنه بمجرد أن يصبح العالم أكثر ثراءاً فإن الرعاية الصحية الشاملة ستتبع بالضرورة أفضل، كما أن ارتفاع الدخل ليس هو السبب الوحيد لتحسين الصحة حيث ترتبط الثروة بالصحة لكن فقط إلى حد معين.
وفى كتاب “The Great Escape” ، وهو كتاب عن العلاقة التاريخية بين الصحة والنمو، يشرح أنجوس ديتون الحائز على جائزة نوبل فى الاقتصاد أن الناتج المحلى الإجمالى لكل بلد يرتبط بعمره المتوقع.
وفى المتوسط، يعنى ارتفاع الناتج المحلى الإجمالى لكل فرد بأنه سيعيش لفترة أطول، وتعنى زيادة الدخل أن لديهم المزيد من المال لشراء الطعام والأدوية، وأن الحكومات لديها القدرة على تحمل تكاليف تدابير الصحة العامة مثل الصرف الصحى، لكن هناك طرق لضمان صحة جيدة فى دول الدخول المنخفضة وكما توجد طرق لصرف مبالغ كبيرة من المال دون طائل وأمريكا مثال على ذلك.
وتكشف التجارب العالمية أن الرعاية الصحية الشاملة ضروية وممكنة حتى فى البلدان منخفضة الدخل فقد حققت بعض البلدان تغطية شبه عالمية عندما كانت لا تزال فقيرة نسبياً.
ووصلت اليابان إلى 80% من التغطية التامينية عندما كان ناتجها المحلى الإجمالى للشخص الواحد حوالى 5500 دولار سنوياً، وفى الآونة الأخيرة، أظهرت عدة بلدان نامية أن الدخل المنخفض والرعاية الصحية الشاملة لا يستبعد أحدهما الآخر.
وضربت مجلة “إيكنوميست” مثال بتايلاند، والتى لديها برنامج للتأمين الصحى الشامل ومتوسط العمر المتوقع بالقرب من نفس متوسط نادى دول منظمة التعاون الاقتصدى والتنمية الغنية.
وفى كل من شيلى وكوستاريكا يصل مستوى الدخل إلى 25% من مستوى الدخل فى الولايات المتحدة والإنفاق على الصحة للشخص الواحد فقط 12% من دخله ولكن متوسط العمر المتوقع فى جميع البلدان الثلاثة هو نفسه تقريباً.
ويبلغ الناتج المحلى الإجمالى لرواندا للشخص الواحد 750 دولاراً فقط، لكن مخططه الصحى يغطى أكثر من 90% من السكان وقد انخفض معدل وفيات الرضع إلى النصف خلال عقد من الزمن، كما أن وباء الإيبولا لم يصل إلى هناك.
ويمكن القول إيضاً أن هناك دائرة مغلقة حميدة، حيث أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الصحة الأفضل يمكن أن تؤدى إلى ارتفاع الدخول، وكذلك العكس.
وكان الاقتصاديون فى البنك الدولى يدعون للإنفاق على الصحة باعتباره “أعلى سقف حماية اجتماعى”، لكنهم يعتقدون الآن أنه يسرع من النمو، كما يقول تيموثى إيفانز، أحد كبار المدراء فى البنك.
ونظرت دراسة أجرتها جامعة سانت جالن عام 2011 فى 12 بلداً أوروبياً بين عامى 1820 و 2010 ووجدت صلة وثيقة بين التوسع فى الرعاية الصحية، وتراجع معدلات الوفيات والنمو فى الناتج المحلى الإجمالى للشخص الواحد.
ووجدت دراسة أخرى أن ما يصل إلى 30% من النمو فى الناتج المحلى الإجمالى فى بريطانيا بين عامى 1780 و1979 ربما يرجع إلى تحسن الصحة والتغذية.
كما وجدت ورقة قام بها اثنان من كبار الاقتصاديين، هما دين جاميسون ولورنس سمرز، أن 11% من مكاسب الدخل فى البلدان النامية بين عامى 1970 و2000 تعزى إلى انخفاض معدلات وفيات البالغين.
وتدعم الدراسات على نطاق أصغر هذه التحليلات التاريخية لأن تحسين الصحة على سبيل المثال من خلال جهود استئصال الملاريا ارتبط بالأطفال الذين يتلقون المزيد من التعليم ويستمرون فى كسب المزيد من المال خلال مرحلة البلوغ.
ويؤدى خفض التكاليف الصحية من ميزانية الأسرة إلى تقليل عدم الكفاءة فى شراء الرعاية الصحية ويمكن أن يشجع إنفاق المستهلكين على جوانب اقتصادية أخرى.
كما أن تطهير الأرض من الطفيليات الحاملة للأمراض يمكن أن يفتحها أمام الزراعة والتعدين وغيرها من أشكال التنمية.
وثبت فشل استهدف مرض محدد كبديل للنظام الصحى الشامل فالقضاء على أمراض معينة أمر صعب فى الأماكن التى تعاني فيها النظم الصحية الأساسية من خلل وظيفى.
وفى الواقع، يمكن لبرامج المرض الواحد أن تزيد المشكلة سواء من خلال إقامة هياكل موازية أو شغل العاملين الصحيين بحالات معينة وإهمال أخرى.
وقد دعا بيل جيتس مؤخراً إلى المزيد من الاستثمار فى الرعاية الصحية الأولية وهو جزء أساسى من تحقيق التغطية الكاملة، لتحسين نتائج خطط مؤسسته.
ويعد الالتزام بتوفير الرعاية الصحية الشاملة أمر سهل، لكن الجزء الصعب بالنسبة لكل من الحكومات والمنظمات الدولية هو إيجاد طرق لتحقيق أفضل استخدام للموارد المحدودة ثم الاستمرار فى الإصلاح.