هناك قضية واحدة مهمة شغلت أذهان المستثمرين فى البرازيل أكثر من غيرها، منذ فوز الرئيس جايير بولسونارو فى انتخابات أكتوبر الماضى، وهى إصلاح نظام المعاشات التقاعدية.
ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية مدى ضرورة هذا الإصلاح لسد عجز الموازنة فى البلاد، الذى ارتفع إلى نحو 7% من الناتج المحلى الإجمالى فى عام 2018.
ومع ذلك، يعد هذا الإصلاح مثيراً للجدل فهو سيؤثر سلباً على الامتيازات التى تسمح لكثير من موظفى القطاع العام بالتقاعد بأجر كامل فى منتصف الخمسينيات من أعمارهم، كما أنه سيرفع سن التقاعد ويخفض الفوائد اﻷخرى.
ويراهن المستثمرون على عودة الحسابات العامة فى البلاد إلى مستوياتها الطبيعية، فضلاً عن أن الاقتصاد سيعود إلى طريق النمو وستنتعش الأسواق، إذا وافق المجلس الوطنى البرازيلى على هذا الإصلاح، أما إذا فشل اﻷمر فهناك مخاطرة من انغماس الاقتصاد فى ركود مرة أخرى وانخفاض الأسهم والسندات والعملة.
وأوضحت الصحيفة، أن حكومة بولسونارو، التى أثارت حالة كبيرة من التفاؤل بين المستثمرين فى البداية، لم تقدم لهم سوى القليل من البهجة.
وقال بول جرير، مدير محافظ السندات الاستثمارية فى الأسواق الناشئة لدى شركة «فيديليتى إنترناشيونال» لإدارة الاستثمارات، إنَّ التقدم فى إصلاح منظومة الضمان الاجتماعى كان بطيئاً ومخيباً للآمال، كما أنه أصبح من الواضح أن الحكومة الجديدة لا تمتلك استراتيجية واضحة. كان تمرير مقترح الإصلاح المالى يشكل معضلة فى مراحله اﻷولى، فما كان ينبغى أن يكون إقراراً تلقائياً واعترافاً بالجدارة القانونية والدستورية للإصلاح أصبح معركة انتزع فيها المشرعون مجموعة من التنازلات.
وهذا اﻷمر لا يشكل سابقة جيدة للمراحل المقبلة، عند دراسة المشرعين التدابير التى يدركون أنها لا تحظى بشعبية كبيرة لدى العديد من الناخبين والتى تواجه مقاومة قوية من أصحاب المصالح الخاصة فى القطاع العام.
وتخللت هذه المعضلات محاولات عنيدة لإصلاح المعاشات التقاعدية على مدى ربع قرن، فقد قدَّم الرئيس البرازيلى السابق فيرناندو هنريك كاردوسو تدابير مماثلة لمقترح الحكومة الجديدة للمرة اﻷولى فى منتصف التسعينيات، وطور مجموعة من التداربير التى أعادت البرازيل من حافة الفوضى الاقتصادية.
ومن الواضح بشكل كبير أن الامتيازات السخية المنصوص عليها فى دستور البرازيل لعام 1988 أكثر مما تستطيع البلاد تحمله، ولكن إقناع ثلثى أعضاء المجلس الوطنى بتعديل الدستور وخفض تلك الامتيازات أمر لم تستطع الحكومات المتعاقبة القيام به أو ربما لم ترغب فيه.
ورحب العديد من المستثمرين بفوز بولسونارو على أمل إنجاز المهام الاقتصادية المطلوبة، ولكن الرئيس الشعبوى اليمينى اعترف بجهله بالشئون الاقتصادية، وبالتالى عين المصرفى الاستثمارى باولو جيديس مسئولاً عن السياسات الاقتصادية.
وأوضحت الصحيفة، أن الركود الكبير الذى عانت منه البلاد فى عام 2015-16 والانتعاش الضعيف، الناتجين عن سوء الإدارة الاقتصادية والفساد الذى دام لسنوات ونهاية الدورة الفائقة للسلع الأساسية، أقنعا المشرعين اليساريين أن الإصلاح المالى أمر ضرورى.
وقالت ماجدالينا بولان، كبيرة الاقتصاديين لدى شركة «ليجال أند جنرال إنفستمنت مانجمنت»، إنَّ حزب العمال البرازيلى، وهو الحزب الحاكم السابق، يفهم أيضاً الحاجة إلى الإصلاحات المالية.
ونتيجة ذلك، اعتقد العديد من المستثمرين أن الإصلاح سيحدث، ولكن ثقتهم كانت منخفضة حول تأثيره النهائى.
وقال باولو جويديس، وزير الاقتصاد البرازيلى، إن مقترحاته للإصلاحات المالية ستوفر ما يصل إلى 255 مليار دولار من الأموال العامة خلال العقد المقبل.
وفى الوقت نفسه، بدأ بعض المستثمرين فى الشعور بخيبة اﻷمل تجاه اقتصاد البرازيل، فقد أشار مسح شهرى أجرته شركة «أكس.بى أنفيستمينتوس» البرازيلية على 104 من مديرى الصناديق وخبراء الاقتصاد والمستثشارين، إلى تراجع الدعم المقدم إلى الحكومة بشأن اﻷسواق.
وفى يناير الماضى، وصف 86% ممن شملهم هذا المسح أداء الحكومة بأنه جيد أو ممتاز، فى حين وصفه 1% فقط بأنه سيئ أو مريع، أما فى أبريل الماضى فقد صنف 28% فقط من المستطلعين الحكومة بأنها جيدة أو ممتازة و24% وصفوها بالسيئة أو المريعة.
وأثار افتقار الرئيس بولسونارو شبه الكامل للمهارات السياسية أو الإدارية مخاوف المستثمرين، فبعد أن كان كثير منهم على استعداد للتغاضى عن تاريخه الطويل الملىء بالاضطرابات اعتقاداً منهم بأنه سيساعد فى إصلاح نظام المعاشات، أصبحوا يعتقدون الآن أنه غير كفء على الإطلاق فى مكانه الحالى.
ومع ذلك، ستستمر إصلاحات المعاشات التقاعدية فى الهيمنة على الأسواق لعدة أشهر وربما لسنوات قادمة.