اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 109.
لم تكن الصين قبل مايو 1995 تعد من الدول الـ15 الأعلى قيمة من حيث الصادرات.. ومنذ ذلك التاريخ بدأت الصين مرحلة الصعود لتصل فى ديسمبر 2018 إلى المرتبة الأولى عالميا من حيث قيمة الصادرات (بقيمة صادرات 2.655 تريليون دولار من اجمالى صادرات عالمية بلغت 25.106 تريليون دولار، أى حوالى ما نسبته %10.7)، حيث كانت إجمالى قيمة صادراتها فى مايو 1995 ما يقرب من 114.56 مليار دولار (من إجمالى الصادرات العالمية حينها 5.81 تريليون دولار، أى ما نسبته حوالى %19.7) لتحتل المرتبة الـ 15 عالميا، لأنه حتى ذلك التاريخ ظلت الدول الصناعية السبع (أمريكا- المانيا- فرنسا –اليابان- المملكة المتحدة- ايطاليا- كندا) مسيطرة على المراكز العشر الاولى بالاضافة إلى هولندا وهونج كونج وبلجيكا، وكانت بعض الدول الآسيوية –غير اليابان- مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى أسبانيا وسويسرا الأوروبيتين تأتى قبل الصين.
وإذا نظرنا لدولة كالهند لم تكن مصنفة ضمن الـ15 الأولى فى مايو 1995 ولكنها باتت تحتل المركز الـ 13 فى ديسمبر 2018… وما يلفت النظر ضمن هذه الدول الـ15 دولة سمغافورة التى تعد أصغر دولة بين تلك الدول ولكن حافظت على ترتيبها ضمن الدول الأعلى قيمة للصادرات مع تغير ترتيبها عبر السنين إلا أنها ظلت ضمن المراكز العشر الأولى رغم أنها ليس لديها امكانيات باقى الدول.
إذا ما آراه أن نتعلم من آسيا وليس أوروبا من حيث الصناعة سواء دولا صغيرة أم كبيرة، دولا قامت على مشروعات صغيرة كبرت حتى أصبحت عملاقة ثم ربطت المشروعات الصغيرة والمتوسطة الصاعدة بعد ذلك بالكبيرة من خلال نصوص قانونية تلزم الكبيرة باستيفاء احتياجاتها من المدخلات الأولية والوسيطة من تلك المشروعات وبالتالى ضمنت تسويق منتجاتها كما أنشئت صناديق ضمان مخاطر للتأمين على الشركات الصغيرة والمتوسطة فى حالة تعثرها عن سداد التزاماتها.. كما أنها وضعت رؤية واضحة وبنت عليها استراتيجيتها فاختارات قطاعات محددة لتركز على نجاحها لتحقيق الرؤية والنمو المنشودين وضمان استدامتهما، واهتمت بالبحث والتطوير والتعليم خلال بناء نهضتها، فعلتها اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند وماليزيا.
فسنغافورة ذلك البلد الصغير جدا سكانا ومساحة وذات الإمكانية الأقل تعد اليوم الأولى من حيث بيئة ممارسة الأعمال ومن الدول الأكثر تقدما بل وأن مستوى دخل الفرد فيها مرتفعا جدا بنحو (64.584 دولار أمريكي) حيث تأتى فى المرتبة الثالثة بعد قطر (98.814 دولار أمريكى) ولوكسبمورغ (78.670 دولار أمريكى)؛ حتى وان كانت نتيجة لصغر حجمها وحجم سكانها مقارنة بحجم الدخل القومى الذى تحققه.
سنغافورة بدأت زراعية ثم صناعية ثم تحولت إلى مركز مالى ولوجيستى عالمى، سنغافورة، تلك الدولة التى زرتها فى صيف 2008 مازالت تبهر العالم بتجربتها فى التنمية المستدامة.
قلتها منذ زمن Go East وتحديدا فى 2008، ولعل أتذكر تلك الرواية التى درسناها يوما ما فى اللغة الانجليزية – والتى لا أتذكر عنوانها حاليا لأنه مضى عليها أكثر من 26 سنه، عندما قامت كارثة طبيعية تسببت فى تدهور الأوضاع وأزمات اقتصادية فى تلك البلدة وكانت الصيحات تتعالى حينها لأحد حكمائها اذهبو نحو الشرق Go East لتحتمو من آثار الدمار.
وأنا أقولها اليوم أن نركز على دول جنوب شرق آسيا لنتعلم منها كيف نحقق التنمية الاقتصادية الحقيقية المستدامة والتقدم المزهر لبلدنا لنكون تجربة يشار إليها بالبنان كتلك الدول.. حتى الغرب عندما نما تعلم من الشرق.. ترجم عنه وتعلم من حضاراتها التى مازالت سرًا أمام العالم أجمع ومنها حضارتنا التى حفرت تاريخا عمره 7 آلاف سنة، ومازالت لغزًا يحير العالم فيما قدمته للعلم والفلك والانسانية أجمع، أليست اليابان التى ضربت بقنبلتين نوويتين فى عام 1945، انظر أين هى الآن؟؟.. أليست الصين الدولة الشيوعية المنغلقة، أين اصبحت الآن؟؟ أصبحت ثانى قوة اقتصادية عالمية لا يستهان بها وأحد الدول الأعضاء الخمس دائمى العضوية
بقلم: إبراهيم مصطفى
خبير اقتصاد واستثمار وتطوير أعمال
