تستضيف دبي خلال الفترة المقبلة معرض إكسبو الدولي 2020،وذلك خلال الفترة من أكتوبر القادم وحتى أبريل 2021. ويعتبر إكسبو واحد من أشهر وأهم الفعاليات على مستوى العالم،حيث يقام كل خمس سنوات ويستقطب ملايين الزوار خلال فترة انعقاده،والتي تصل إلى ستة أشهر.
وتلك هي المرة الأولى التي تستضيف فيه مدينة عربية فعاليات معرض إكسبو،والذي يقام للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب غرب آسيا. وفازت دبي بشرف استضافة المعرض بعد أن تفوقت في التصويت على ساو باولو البرازيلية ويكاترينبرغ الروسية وإزمير التركية،ثم فازت بهامش كبير خلال جولة الإعادة النهائية أمام المدينة الروسية بعد أن حصلت على تأييد 116 من أصوات أعضاء المكتب الدولي للمعرض (الجهة المنظمة لإكسبو) من أصل 164 صوت.
اختارت دبي شعار “تواصل العقول،وصنع المستقبل” عنواناً لفعاليات معرض إكسبو الدولي 2020،والذي تشير التوقعات إلى أنه سيستقطب ما بين 20 إلى 30 مليون زائر يتوافد معظمهم من خارج الإمارات. ولا تقتصر فعاليات إكسبو على المعارض التسويقية والزيارات السياحية،بل سيمثل منصة شاملة للبحث العلمي عبر تحديد ثلاثة مواضيع رئيسية سيتم مناقشتها باستفاضة وطرح الحلول ذات الصلة بها خلال فترة المعرض.
وكان واضحاً حرص المنظمين على انتقاء موضوعات تمثل محددات رئيسية لتحقيق النمو العالمي،حيث شملت “الاستدامة” والتي سَتُعنى بعرض الابتكارات الرائدة في مجال إنتاج واستهلاك المياه والكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة. المحور الثاني سيحمل عنوان “التنقل”،والذي سيركز على أنظمة النقل والخدمات اللوجستية المبتكرة،وذلك بهدف دعم مسيرة التواصل بين المجتمعات والأسواق العالمية بغية إيجاد حلول أكثر تكاملاً لأنماط السفر وشحن السلع وإيصال المساعدات الإنسانية. المحور الأخير هو “الفرص” والذي سيركز على إيجاد سبل جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار المالي بشكل مستدام.
وبرغم عدم وجود صلة مباشرة بين فعاليات إكسبو 2020 ومشهد الأسواق المالية في الإمارات للوهلة الأولى،إلا أن حقيقة الأمر تبدو مختلفة تماماً،وسنحاول إيجازها في السطور التالية.
يأتي انعقاد إكسبو دبي 2020 وحالة الاحتفاء الشعبي والحكومي بهذا المعرض في إطار استراتيجيات تنويع مصادر الدخل التي بدأت العديد من البلدان الخليجية في تطبيقها منذ سنوات قليلة. وتهدف هذه الاستراتيجيات بصفة رئيسية إلى تقليل اعتماد تلك البلدان على النفط كمصدر أساسي للإيرادات العامة،خصوصاً بعد الانخفاضات الحادة لأسعار الزيت الخام خلال السنوات الخمس الماضية. ويمثل تحرير وهيكلة الأسواق المالية جزءً لا يتجزأ من هذه الرؤية الإصلاحية،الأمر الذي يبشر بمزيد من الإنجازات في هذا الملف الهام،بما في ذلك السماح بحرية عمل وسطاء الفوركس في الإمارات.
ويسمح فتح الأسواق الإماراتية لشركات الوساطة بالاستفادة من قاعدة واسعة من المستثمرين ذوي الملاءة المالية،والذين بكل تأكيد سيسهل الترويج لمنتجات الفوركس بينهم. أيضاً لا ننسى أن دبي تعتبر واحدة من أهم مراكز الاستثمار والسياحة العالمية،الأمر الذي يجعل من الطلب على منتجات الفوركس أمرا طبيعياً،ليس فقط بغرض المضاربة،بل لخدمة أغراض أخرى مثل التحوط من الانكشاف على تقلبات أسعار الصرف.
وقبل الاستطراد في هذه النقطة دعنا نقدم شرحاً موجزاً للإطار التنظيمي لعمل شركات الوساطة في الدولة
يحتاج وسطاء الفوركس إلى الحصول على ترخيص من البنك المركزي الإماراتي،وهو ما يتيح لهم تقديم خدمات الوساطة في أسواق الأسهم وباقي الأدوات المالية الأخرى. وحتى فترة قصيرة كانت الإمارات تفرض شروطاً صارمة لعمل هذه الشركات،كان أبرزها اشتراط أن يمتلك أحد المواطنين الإماراتيين نسبة حاكمة لا تقل عن 51% في ملكية الشركة.
بالإضافة إلى اشتراطات الملكية الوطنية،فإن المساهم الإماراتي سيعهد إليه بكافة الحقوق والالتزامات القانونية للشركة. أيضاً يتعين على وسيط الفوركس في الإمارات الاستعانة بفريق من الخبراء المحترفين ممن يتوفر لديهم التأهيل المهني والخبرة العملية لإدارة أعمال الوساطة. وعلاوة على ذلك،فإن تقديم أي منتجات أو خدمات مالية جديدة،بما في ذلك الفوركس،يتطلب الحصول على موافقة صريحة من جهة الاختصاص قبل إتاحة هذه المنتجات للعملاء. الجدير بالذكر أن شركة الوساطة إذا رغبت في إتاحة التداول على السلع فسيتعين عليها زيادة رأس المال،وكذلك الانضمام إلى عضوية بورصة دبي للسلع.
شملت قائمة الإصلاحات السماح بملكية الأجانب بنسبة 100% لشركات الوساطة،ولكن بشرط العمل داخل مركز دبي المالي العالمي أو مركز دبي للسلع المتعددة،وهي مناطق اقتصادية حرة تتمتع بإطار تنظيمي مستقل وتسمح للأجانب بالعمل دون الحاجة لكفيل محلي.
خففت سلطات التنظيم الإماراتية أيضاً من القيود المتعلقة بالملاءة المالية،حيث كانت تشترط ألا يقل رأس المال التشغيلي لشركة الوساطة عن 8.2 مليون دولار مع الاحتفاظ بضمان بنكي قدره 5.5 مليون دولار على الأقل،مع إمكانية زيادة هذا الضمان بحسب حجم أعمال الوسيط. الإصلاحات الأخيرة سمحت للشركات العالمية بأن تفتح فروع لها في الإمارات مع تقاسم أعباء رأس المال التنظيمي بين الفرع الرئيسي ومكتبها في الإمارات.
بالعودة إلى النهج الإصلاحي الذي فرضته متطلبات تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط،لجأت السلطات الإماراتية إلى إدخال إصلاحات بغرض تعزيز كفاءة الأسواق المالية. على سبيل المثال،كانت هيئة الأوراق المالية والسلع في الإمارات تحظر تماماً بعض ممارسات التداول مثل البيع على المكشوف،وهي واحدة من أهم أدوات التحوط في الأسواق العالمية. ولكن في سياق المرحلة الجديدة تم السماح بممارسة البيع على المكشوف لبعض الأسهم مع وضع الاشتراطات اللازمة لتجنب حدوث مضاربات حادة تؤثر على استقرار الأسواق.
خاتمة
كما شرحنا في السطور السابقة،فإن إقامة معرض إكسبو 2020 في دبي يحمل في طياته فرص واعدة لكافة الأطراف المنخرطة في الأسواق المالية. ونتوقع أن يمثل نجاح المعرض نقطة انطلاق جديدة نحو مزيد من الخطوات في مسار تحرير صناعة الخدمات المالية والتي ستوفر خيارات أكثر مرونة لشركات الوساطة ومتداولي الفوركس على حد سواء. ولهذا لا تنسى أن تضع هذا الحدث الهام ضمن بنود التقويم الاقتصادي التي تحرص على متابعتها.أيضاً فإن نضوج هذه الجهود سيعني رويداً رويداً تشكيل مركز مالي مرموق في المنطقة العربية،والذي سيتيح لدبي،بكل ما تمتلكه من إمكانات واعدة،بلعب دور مماثل للمراكز المالية العالمية مثل لندن ونيويورك وطوكيو والعديد غيرها.








