قال الدكتور أحمد بن عبدالكريم الخليفى محافظ مؤسسة النقد العربى السعودى إن الاقتصاد العالمى يشهد العديد من التحديات فى الآونة الأخيرة جراء عدم اليقين فى التجارة العالمية والعوامل الجيوسياسية والاضطرابات الاجتماعية فى بعض أنحاء العالم، بما فيها هذه المنطقة، إضافة إلى التحديات الهيكلية المستمرة فى العديد من الدول.
وعقد اليوم فى الرياض مؤتمر “معهد التمويل الدولى لقمة العشرين”، على هامش الاجتماع الأول لوزراء المالية ومحافظى البنوك المركزية لدول مجموعة العشرين تحت رئاسة المملكة العربية السعودية.
وأضاف الخليفى خلال كلمته بالمؤتمر أنه لم يكن من غير المتوقع أن نرى تباطؤ النمو العالمى فى عام 2019، حيث سجل نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى أدنى نتيجة له منذ الأزمة المالية العالمية.
وتابع الخليفى فى كلمة نقلتها وكالة الأنباء السعودية “كان ذلك تحديًا لصانعى السياسات، حيث إن الاتفاقية التجارية للمرحلة الأولى بين الولايات المتحدة والصين وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى الأكثر تنظيمًا ساعدت فى استقرار ثقة الأعمال، ونظرًا لزيادة التضخم بشكل طفيف والإبقاء على معدلات البطالة كما هى فى العديد من الاقتصادات المتقدمة، فقد تمكنت البنوك المركزية من تيسير سياستها فى عام 2019، وأدت الزيادة التى تلت ذلك فى أسعار الأصول المالية إلى مزيد من التكيُّف فى الظروف المالية، كما أدت إلى تجدد تدفقات رأس المال باتجاه الأسواق الناشئة، مما أدى إلى ظروف مالية أكثر دعمًا فى العديد من هذه البلدان”.
وقال إن البنوك المركزية لم تعد لديها العديد من الخيارات كما هو الحال قبل عقد من الآن، حيث تثار أسئلة حول استمرار فعالية السياسة النقدية التوسعية، إذا ما أخذنا بالحسبان مستويات أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، أو بعبارة أخرى، لم يعد للبنوك المركزية الكبرى سوى مساحة محدودة لمعالجة المنافسات الاقتصادية الأكثر خطورة، ولا يزال الأمر غير معروف بشأن ما إذا كانت أسعار الأصول المالية المرتفعة تشكل خطرًا على الاستقرار المالى، والجدل مستمرًا حول ما إذا كانت الآثار الجانبية السلبية لأسعار الفائدة السلبية فى السياسة بدأت تظهر بقوة أكبر.
أضاف أن المملكة العربية السعودية كاقتصاد مفتوح، مثلها مثل بلدان أخرى فى المنطقة، تخضع لآثار التطورات العالمية، وأن نمو الناتج المحلى الإجمالى فى المملكة من المتوقع أن يشهد ارتفاعًا فى عام 2020، وسيعزى هذا التطور الإيجابى فى الغالب إلى زيادة تعزيز النمو فى القطاع غير النفطى.
وأوضح الخليفى أن السياسات النقدية والمالية والهيكلية فى المملكة موجهة جميعها نحو توسيع الناتج المحلى الإجمالى للقطاع غير النفطى على المدى المتوسط، وأن هدف سياستنا الرئيسى تشجيع التنوع الاقتصادى فى ظل ظروف مالية ونقدية مستقرة، وهذه رسالة إيجابية ليس فقط للمواطنين السعوديين، بل وأيضًا للمنطقة.
وقال محافظ مؤسسة النقد العربى السعودى: “فى اجتماعنا المقبل لمجموعة العشرين، سنبحث عن أخبار سارة من بلدان أخرى أيضًا، والتى نأمل بشكل عام أن تؤكد توقعات خط الأساس بأن تباطؤ النمو قد وصل إلى أدنى مستوى وأنه يمكن توقع حدوث تحول فى نمو الإنتاج فى العام الحالى حتى وإن كان معتدلاً، إلا أنه يتعين علينا ألا نتجاهل أننا لا نزال نواجه عددًا من المخاطر السلبية”.
أضاف أنه لا يمكننا تجاهل احتمالية تصعيد التوترات التجارية تمامًا ولا يزال تحقيق إصلاح منظمة التجارة العالمية يتطلب بعض العمل والوقت، ولا تزال المخاطر الجيوسياسية موجودة لدينا، وخطر انتشار الأوبئة جراء اندلاع فيروس كورونا فى الصين الذى يلوح فى الأفق، وما زال من السابق لأوانه الحصول على صورة كاملة عن الضرر الاقتصادى الناجم عن هذا الحدث للنمو العالمى هذا العام”.
وأوضح الخليفى أن المملكة تعتزم خلال رئاستها لمجموعة العشرين التركيز أكثر على كيفية تعزيز رصد المخاطر العالمية، وكيف يمكن تحقيق أفضل تعاون سياسى لمعالجة تلك المخاطر من خلال مجموعة العشرين.
البنوك المركزية لم يعد لديها العديد من الخيارات كما هو الحال قبل عقد
أشار إلى أنه ينبغى أن يكون هنالك فهم أفضل لخارطة المخاطر واستجابة أكثر فاعلية للسياسة للتعامل مع الصدمات المستقبلية المحتملة، كما ينبغى أن يكون ذلك مفيدًا فى تهيئة الظروف اللازمة لتحقيق نمو قوى ومستدام ومتوازن وشامل، وهو الهدف الأساسى لمجموعة العشرين.
وقال الخليفى: “من أجل رسم صورة أوسع لتطلعات رئاسة المملكة لعام 2020، من الأفضل أن نشير إلى الموضوع العام لرئاسة مجموعة العشرين وهو اغتنام فرص القرن الحادى والعشرين للجميع، حيث تندرج ثلاثة أهداف رئيسة تحت هذا الموضوع، أولاً، تمكين الشعوب من خلال تهيئة الظروف التى يستطيع فيها النساء والشباب العيش والعمل والازدهار، ثانياً، حماية الأرض من خلال تعزيز الجهود الجماعية لحماية المصالح العالمية المشتركة، ثالثًا، فتح مجالات جديدة من خلال الاستفادة من الابتكارات والتقدم التقنى”.
أضاف أنه من أجل تقسيم فعال للعمل، سيكون الهدفان الأول والثالث محورا المسار المالى، مع معالجة قضايا تغير المناخ حيث أشار تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى الشهر الماضى إلى أن المخاوف البيئية تتصدر المخاطر طويلة الأجل، كما أن القطاع المالى يولى اهتماما متزايدا لمثل هذه المخاوف.
وبالنسبة للقطاع العام، أوضح الخليفى أن المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى توجهت إلى التحدث بصورة أكبر عن المسائل البيئية وعلاقتها بالأداء الاقتصادى، وكبنوك مركزية، سوف نحتاج إلى الاستعداد لدمج أفضل للمخاطر المرتبطة بالمناخ – المخاطر المادية والمخاطر المرتبطة بالانتقال – فى تحليلنا للعوامل التى يمكن أن تصبح مصادر لعدم الاستقرار النقدى أو المالى.
وأشار إلى أن النقطة المحورية لرئاسة المملكة لمجموعة العشرين فى إطار المسار المالى هى تداعيات الاستخدام المتزايد للتقنية فى جوانب مختلفة من الحياة الاقتصادية، وبمعنى آخر الرقمنة المتزايدة للاقتصاد، حيث ستتناول هذه الرئاسة التحديات الضريبية الناتجة عن الرقمنة، وفوائد التقنية فيما يخص البنية التحتية، وجوانب استخدام التقنية فى القطاع المالى.
وقال إن الابتكار الرقمى فى القطاع المالى يحمل بالفعل الكثير من الإمكانات، حيث تبنى القطاع الخاص تقنيات جديدة بطرق مختلفة، وظهرت عمليات أعمال مالية جديدة، بما فى ذلك منتجات مالية جديدة تعمل على تحويل أنشطة البنوك الحالية، وتجلب مشاركين جدد لهذا القطاع.
أضاف أنه بناءً على اقتراح من رئاسة المملكة، ستبحث مجموعة العشرين هذا العام فى عدد من المجالات التى تبرز فيها فرص جديدة بفضل التقنية، متطرقاً إلى الحلول الإشرافية والتنظيمية التى تدعم التقنية وتعزز أنظمة الدفع عبر الحدود العالمية.
وأشار الخليفى النظر إلى أن القطاع العام تقع عليه مسؤولية بذل العناية اللازمة لمواجهة المخاطر والتحديات الجديدة التى قد تنشأ نتيجة الاستخدام المتزايد للتقنية فى القطاع المالى، حيث بدأت مجموعة العشرين فى وقت مبكرالعمل على اثنتين من هذه المخاطر التى وضعتها على رأس جدول أعمالها لهذا العام، وهى المشاركة المتزايدة لشركات التقنية الكبيرة فى تقديم الخدمات المالية، وتعزيز المرونة الإلكترونية لبنيتنا التحتية المالية.
من السابق لأوانه الحصول على صورة كاملة عن ضرر “كورونا” على النمو العالمى
وقال إن جميع هذه الموضوعات المتعلقة بالتقنية تعد موضوعات نموذجية لحوار جيد بين القطاع المالى الخاص والسلطات، مشيراً إلى أن هذه الموضوعات ليست ذات صلة بمجموعة العشرين فحسب، بل لجميع الدول فى العالم، بما فى ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أضاف أن الابتكار الرقمى لا يقتصر على وعد بتقديم خدمات مالية أسرع وأفضل وأقل تكلفة، ولكن يمكن أيضا استغلاله لتعزيز الشمول المالى، إذ من شأن ذلك أن يعزز إتاحة فرص جديدة للناس، وأن يمكّن بشكل خاص تلك الشرائح من مواطنينا الشباب الذين لا يتعاملون مع البنوك.
وتابع الخليفى: “الحصول على تمويل بشكل أكثر شمولاً يجب أن يفيد أيضًا المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التى ستكون مفيدة فى تحقيق التنوع الاقتصادى الذى نهدف إليه، هذا هو نوع التوسع المالى الذى يمكن أن يعزز النمو ويجعله أكثر شمولية فى نفس الوقت”.
وأوضح أن تبنى التقنيات الرقمية والمبتكرة لتعزيز الشمول المالى هو مجال قد تجد فيه البنوك نفسها فى منافسة مع الجهات الفاعلة الأخرى غير المصرفية، لكنه أيضًا مجال لديه الكثير من الإمكانات التى تساعد البنوك فى توسيع قاعدة عملائها، بحيث أنه سيمكّنهم من تقديم مزيد من المنتجات المالية لهذه المجموعة العريضة من العملاء.
وأشار إلى أن هذه الموضوعات ليست مهمة فقط للمملكة، بل أيضًا للعديد من الاقتصادات الناشئة والنامية، بما فى ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مبيناً أن ذلك هو السبب وراء استمرار مجموعة العشرين فى تقديم الدعم الكامل لإبقاء الشمول المالى على رأس جدول أعمالها.
ودعا إلى أهمية التركيز على التعميق المالى من خلال النظر فى أساليب تطوير أسواق رأس المال المحلية، مع وجوب ألا ينظر القطاع المصرفى إلى سوق رأسمال محلى أكثر تطوراً كبديل منافس له فى أنشطته المتعلقة بتوجيه المدخرات إلى فرص الاستثمار.
وتابع الخليفى “على العكس من ذلك، فإن سوق رأس المال الذى يعمل بشكل جيد – بما فى ذلك قطاع الشركات فيما يخص السندات وقطاع الأسهم – يمكن أن يولد العديد من الخدمات المالية التكميلية للبنوك، وأن يوفر لها فرصًا للتحوط بشكل أفضل ضد بعض مخاطرها، وأن يحرر ميزانياتها العمومية للحصول على مزيد من القروض، ويدير تمويلها بشكل أكثر كفاءة, وبالتالى، يمكن أن يقدم مقترحات رابحة للجميع، ويمكن أن يستفيد من ذلك البلدان التى تواجه فائضاً فى الادخار والاستثمار وكذلك الدول التى تواجه عجزًا خارجيًا، وتضم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالفعل مثل تلك الدول”.