من المفترض أن ينشر الوباء الذي دمر الأسواق الناشئة – التي شهدت هروب أكثر من 100 مليار دولار من التدفقات الخارجة في مارس – الكآبة عبر العالم النامي، ومع ذلك ثمة تفاؤل حذر بشأن مستقبل أماكن مثل الهند وجنوب أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
والسبب في ذلك هو الصين، فقبل أن يضرب الوباء، بدت هيمنة الصين على التجارة والتصنيع العالميين لا يمكن كسرها، وحتى رغم ارتفاع الأجور فيها بإطراد، ترددت الشركات في نقل الإنتاج إلى أماكن أخرى، واضطرت الدول المنافسة الساعية إلى أن تصبح قواعد لسلاسل التوريد الجديدة إلى التنافس مع شبكة قوية من المؤثرات الخارجية التي بنيت في الصين، وبدأت العديد من تلك الدول النامية التساؤل، خاصة مع ظهور اتجاه الأتمتة، إذا كانت لن تتمكن أبدا من تحقيق الرخاء المدفوع بالتصنيع.
ومع ذلك، يبدو الاعتماد على الصين في الوقت الحالي أكثر خطورة، ولم تنقل الشركات الصناعية أعمالها حتى الآن بسبب أن الصين لا تزال نسبيا مكانا سهلا للقيام بأعمال.
ولكن إذا انهارت شبكة المؤثرات الخارجية لأي سبب في الصين فإن سلاسل التوريد تلك سوف تبدو هشة بشكل خطير، واستوعب الجميع – الشركات والمستثمرون والأهم من ذلك البلدان النامية الأخرى – ذلك الأمر في وقت واحد تقريبا في شهر مارس، وأحد الطرق التي يمكن بها التغلب على هذه التأثيرات الخارجية هي إذا تسببت إشارة مشتركة في تحرك منسق نحو توازن آخر، وكان الوباء بمثابة هذه الإشارة.
ومنذ ذلك الوقت، يسعى صناع السياسة في الدول النامية للاستفادة من لحظة الإمكانية تلك، وقال رئيس الوزراء الفيتنامي للمستثمرين العالميين أن دولته تستعد “لاستقبال المستثمرين الأجانب الذين يريدون إما الاستثمار في مشروعات جديدة أو نقل إنتاجهم من دول أخرى إلى فيتنام”، وفي خطاب قصير نسبيا للإعلان عن خطط التحفيز الهندية، أشار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى “سلاسل التوريد” ثماني مرات.
ومثل نظرائهم في أماكن أخرى، يقوم صناع السياسة في الهند بكل محاولة ممكنة لإغراء المصانع لنقل أعمالها من الصين، ويؤسسون مراكز إنتاج أدوية جديدة، كما أن الدولة قالت إنها تؤسس بنكا مختص بمعاملات الاراضي لجذب الشركات المهتمة، كما أن الدولة تحصل على بعض الاهتمام الحذر في مقترحاتها من قبل المستثمرين الاجانب وهو اهتمام كافي لدرجة أن البعض في قطاع الإلكترونيات الهندي يأمل في أن يكون قادرا على مضاعفة الصادرات خلال ثلاث سنوات.
وهناك أمل كذلك في قيام الدولة بالإصلاحات الهيكلية الصعبة التي أجلها القادة مثل ناريندرا مودي لوقت طويل.
وفي جنوب أفريقيا، قال الرئيس سيريل رامافوسا بشكل واضح لوزير المالية الإصلاحي، تيتو مبويني، إن خفض التصنيف الائتماني للدولة الناتج عن أزمة كورونا يعني أنها ينبغي أن تمضي قدما في الإصلاحات الهيكلية.
وعبر العالم الناشئ تعد وصفة الإصلاحات متشابهة، وتحتاج جنوب أفريقيا إلى إصلاح سوق عملها التقييدي الذي تعد فيه الأجور الرسمية أعلى من أن تتنافس مع الصين، وتحتاج الدول الأفريقية الأخرى تقليص حواجزها التجارية مع بعضها البعض، أما الفلبين فتحتاج إلى خفض معدلات الضريبة المرتفعة على دخل الشركات، وكل هذه الإصلاحات صعبة سياسيا، ولم تكن لتكون ممكنة لولا أزمة كورونا.
وجعل بقية العالم النامي أكثر تنافسية سوف يعود بالتأكيد بالنفع على العدد الكبير من الشباب العاطل، ولكن التركيز على الإصلاحات الهيكلية فقط قد يفوت النقطة الأساسية، وهي أن إمكانية تحدي احتكار الصين للتصنيع لا يتعلق بتأسيس هيكل جديد للتكلفة فبعد كل شيء لم يتسبب الوباء في تآكل ميزة الكفاءة في الصين، وإنما الأمل الجديد يكمن في أن الشركات العالمية تتطلع إلى تأسيس سلاسل توريد أكثر استدامة وأمانا وقوة حتى إن كانت أقل كفاءة من الصين على المدى القصير.
وإذا كان ذلك صحيحا، فإن جميع الإصلاحات الهيكلية الصعبة – رغم أهميتها لتعزيز التنافسية – فستحتاج لتكميلها بإصلاحات “ناعمة” من شأنها المساهمة في القوة والاستدامة وهو ما يعني أن الدول يتعين عليها وضع تنظيمات أكثر وضوحا ترتقي إلى المستوى العالمي.
ويتعين عليهم كذلك تعزيز الشفافية وقابلية التوقع والانفتاح في التعامل الضريبي وسوف يحتاجون تعميق الاسواق المالية وتحقيق الانسجام في البيئة القانونية.
وينبغي تذكر ما تعنيه حقا استراتيجية “الصين زائد غيرها” للشركات، فهى تخطط لتنويع سلاسل توريدها في كل الاحوال ولجذبها لا تحتاج الدول بالضرورة أن تكون أرخص أو أكثر كفاءة من الصين وإنما تحتاج لأن تكون أكثر شفافية وموثوقية، وستكون الدول التي تربح هذا السباق هي تلك التي تستطيع إقناع الشركات إنها آمن مكان للقيام بأعمال حتى ولو لم تكن دوما الأسهل.
بقلم:” ميهير شارما، كاتب مقالات رأي لدى بلومبرج ومؤلف كتاب “الفرصة الأخيرة للاقتصاد الهندي”.
إعداد: رحمة عبدالعزيز. المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.