بدأت وثيقة مكونة من 18 صفحة، الانتشار على وسائل الإعلام الإيرانية الأسبوع الماضي، والتي يُزعم أنها مسودة لنقاط تفاوض على اتفاق جديد بين الصين وإيران.
وهذه الوثيقة “غير الموثقة” التي تحتوي على قائمة بأكثر من 100 مشروع محتمل، قادت إلى تقارير عديدة بأن إيران أعدت “ميثاق نهائي” والذي سيعمق اعتماد الدولة على بكين.
وقوبل الاتفاق المزعوم داخل إيران، بمعارضة شديدة عبر المعسكرات السياسية .. وجميعها انتقدت فكرة زيادة الاعتماد على الصين.
ولكن من منظور اقتصادي، فإن إيران هي الدولة الأقل اعتمادا على الصين من بين الاقتصادات الناشئة الآخرى.
وبالتأكيد كان حضور الصين في إيران ينمو مع السنوات، فثمة مصنع البوليستر المملوك للصين في نيسابور، وسلاسل بقالة تديرها الصين في تشابهار، وعمالة صينية تقوم بأعمال بنية تحتية في مدينة قم.
ولكن إذا قارنا المشروعات الصينية في الأماكن الأخرى ، سنجد أنه رغم بصمة الصين في إيران التي نمت في الفترة بين 2008 و2018، فإنها قد نمت أكثر بكثير في الدول الأخرى في الشرق الأوسط.
وفي العقد الذي بدأ في 2008، كانت متوسط العائد السنوي على مشروعات الإنشاءات الصينية في إيران – وهي مشروعات يمكن اعتبارها جزءا من مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة – يدور حول 1.7 مليار دولار، في حين كان المتوسط في العراق 2.2 مليار دولار و4.8 مليار في السعودية.
وتسعى طهران وراء شراكة مطورة مع الصين، ليس لأنها تعتمد على الدعم الاقتصادي لبكين، ولكن لأنها تخلفت بقدر كبير عن عقد الاستثمارات الصينية الكثيفة في الاقتصادات النامية عالميا.
وكانت إيران – باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وأكثره تنوعا بعد تركيا – الوجهة الأولى للمشروعات الصينية في السنوات الأولى من نموها العالمي السريع.
ودخلت إيران مرحلة تسريع الحركة الصناعية في أوائل الألفينات، في الوقت نفسه الذي بدأت فيه البضائع الرأسمالية الصينية تضرب الأسواق العالمية. وكان الأرخص للشركات الإيرانية شراء المنتجات والعمل، وبالتالي فإن نمو العلاقات الصينية الإيرانية لم يكن استراتيجية كبرى وإنما مجرد بيزنس.
وعلى عكس التصورات في واشنطن، فإن نقص الشراكة الاستراتيجية، هو ما جعل العلاقات الاقتصادية ضعيفة. ورغم أن فرض العقوبات الأمريكية والأوروبية في 2008 لم يردع تماما الشركات الصينية عن إيران، إلا أنه أعاق أغلب الاستثمارات طويلة الأجل التي وجهتها الصين لأماكن أخرى في المنطقة.
وكان ذلك أكثر وضوحا في قطاع البترول كثيف الاستهلاك لرأس المال ،إذ كانت الشركات الصينية بطيئة في الوفاء بالتزاماتها التعاقدية عندما كانت العقوبات الدولية في أوجها، وهو ما قاد إيران في النهاية إلى الفسخ احادي الطرف لبعض أكبر العقود مع الشركات الحكومية الصينية.
وكان الرئيس حسن روحاني، يأمل في إعادة إشعال العلاقات مع الصين عندما سافر إلى بكين في يناير 2016 بعد أسابيع قليلة من تنفيذ الاتفاق النووي ورفع الولايات المتحدة للعقوبات الثانوية.
ووقعت الدولتان، “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، والتي أعلنت وجود اتفاق مشترك لتحسين التبادل التجاري والاستثماري.
ولكن هذه الاتفاقية كانت في الأساس قائمة طويلة لجميع المجالات التي يمكن أن تتعاون فيها الصين وإيران ولم تخلق أي التزامات حقيقية أو اهداف للطرفين.
ورغم أن التجارة الصينية مع إيران، ارتفعت بعد تخفيف العقوبات، فإن انسحاب حكومة ترامب من الاتفاق النووي، قاد إلى فترة أخرى من الانحدار في العلاقات الثنائية.
وتحاول حكومة روحاني، في عامها الأخير في الرئاسة- استغلال فترة تزايد التوترات ين الصين والولايات المتحدة، لدفع بكين نحو الوفاء بتصريحاتها بجعل إيران في وجه الضغوط الأمريكية.
وإذا فشلت الصين في الوفاء بوعودها خوفا من استثارة العقوبات الأمريكية، فستكشف حدود طموح بكين بأن تصبح الشريك المفضل للاقتصادات النامية حول العالم.
وفي النهاية، ستوقع الصين وإيران نوعا من الاتفاق المفصل طويل الأجل الذي سيحدد شكل العلاقات الثنائية.. ولكن هذا ليس لأن إيران في مركز ططموحات الصين، ولكن لأن الصين هي في قلب التنمية الاقتصادية لجميع الاقتصادات الناشئة.
وأي اتفاق بين الدولتين سيكون أضيق في النطاق مما توحي به عناوين الأخبار الشعبوية الحالية، ويمكن موازنة هذا الثقل الصيني بسهولة إذا سمح رفع العقوبات الأمريكية باستئناف الاستثمار الغربي في إيران.
بقلم: اسفنديار بطمنجيلج، مؤسس “بورص آند بازار” الشركة الإعلامية التي تدعم دبلوماسية الأعمال بين أوروبا وإيران.
إعداد: رحمة عبدالعزيز. المصدر: وكالة أنباء “بلومبرج”.