تراجع الناتج المحلى الإجمالى للهند والمكسيك يوضح فداحة الأضرار
عانت بعض أكبر الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك الهند والمكسيك، بشكل أكثر من عمليات الإغلاق المرتبطة بتفشي جائحة فيروس كورونا، مما يسلط الضوء على خياراتها السياسية المحدودة مع استمرار الوباء، وبدء الدول الأكثر ثراءً التفكير في إعادة فرض القيود لمواجهة موجة الإصابات الثانية.
وتراجع اقتصاد الهند، خامس أكبر اقتصاد في العالم، بنحو 25% في الربع الثاني من 2020، عندما فرض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قيودا شديدة على النشاط التجاري والحركة لاحتواء الوباء.
كما خسرت المكسيك في الفترة نفسها 17% من ناتجها الاقتصادي، مقارنة بالربع الأول، في حين كانت بيرو، التي تراجع ناتجها بنسبة 27%، الأكثر تضرراً.
وربما تصبح القائمة أكثر كآبة مع الإعلان عن مزيد من البيانات الاقتصادية، وفقاً لما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وبينما أعادت الصين، حيث بدأ تفشي الوباء، وبعض الاقتصادات المتقدمة، بما في ذلك المملكة المتحدة وأستراليا وكوريا الجنوبية، فرض عمليات الإغلاق على المستوى المحلي وربما تفعل ذلك على الصعيد الوطني إذا ارتفعت معدلات الإصابة مرة أخرى، إلا أن هذا النهج بالنسبة للعديد من الدول الفقيرة لا يعد خياراً، وفقاً لما ذكره المحللون.
وقال كبير الاقتصاديين في بنك “رينيسانس كابيتال” الاستثماري، تشارلز روبرتسون : “لقد أظهرت الهند وجنوب أفريقيا، بجانب أمريكا اللاتينية، أن الدول الرئيسية ذات الدخل المنخفض لا يمكنها الانتصار ضد الفيروس”، مشيراً إلى أن تلك الدول سيتعين عليها التخلي عن عمليات الإغلاق، خصوصاً أنها لا تستحق الألم الاقتصادي.
ويقول بعض الاقتصاديين، إن ثمة احتمال أن يكون الأسوأ قد انتهى، وأنه في عالم يتسم بانخفاض أسعار الفائدة، ستكون الحكومات قادرة على الاقتراض أثناء طريقها للعودة إلى النمو.
لكن بعض الاقتصاديين يؤكدون على مخاطر انزلاق بعض الاقتصادات الناشئة إلى الركود، وهو مسار يصعب تصحيحه دون إجراء منسق على المستوى العالمي، وأفادت رئيس قسم الديون وتمويل التنمية في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ستيفاني بلانكنبرج، أن الدول النامية تعرضت لصدمات متعددة في سياق النمو العالمي الهزيل، مشيرة إلى أن الاستجابة الدولية كانت مترددة بشكل غير عادي، فقد كانت قليلة جدًا ومتأخرة للغاية.
وكانت هناك استثناءات، مثل فيتنام، حيث تغير الناتج الاقتصادي بالكاد في الربع الثاني، وقد نظر المحللون إليها لتلقي الدروس.
وقال كبير محللي الأسواق الناشئة لدى “كابيتال إيكونوميكس”، ويليام جاكسون، إن شيئاً واحداً ظهر وهو الارتباط الوثيق بين الأداء الاقتصادي وصرامة أي إغلاق وطول المدة الزمنية التي تواجد خلالها، مشيراً إلى أن الهند وبيرو تعرضت لعمليات إغلاق شديدة للغاية، في حين أغلقت أجزاء من شرق آسيا وأوروبا الوسطى أبوابها بسرعة وتمكنت من السيطرة على الفيروس.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز”، أن التجارب السابقة في التعامل مع الأوبئة، ومنها ميرس وسارس، ساعدت الدول في آسيا على الاستجابة لفيروس كورونا.
وفي هذا الصدد، قال الاقتصادي في “رينيسانس كابيتال”، روبرتسون، إن ثمة تفسيرًا محتملاً آخر، وهو النظم البيروقراطية عالية القدرة، القادرة على التأرجح نحو العمل لتلبية مطالب الحكومة، وهو إرث من الحكومات الشيوعية في حقبة الحرب الباردة التي تشترك فيها أجزاء من آسيا وأوروبا الوسطى والشرقية.
وإذا غيرت الحكومات استراتيجيتها من احتواء الفيروس وعدد الوفيات إلى تحفيز النمو، فإن البيئة العالمية ذات معدلات الفائدة المنخفضة ستقدم لها يد العون، كما يقول خبراء الاقتصاد.
وذكرت الصحيفة البريطانية، أن السياسة النقدية المتساهلة للغاية في الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى انعكست في العالم النامي، إذ وصلت أسعار الفائدة في البرازيل وروسيا إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، كما خفضت العديد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها التاريخية، في حين شرع البعض في برامج شراء السندات على غرار التيسير الكمي.
وقد أدى ذلك إلى ازدهار في إصدار السندات من قبل الحكومات في العالم النامي، لتصل إلى نحو 90 مليار دولار بين شهري أبريل ويوليو، ومنذ ذلك الحين عادت كثير من رؤوس الأموال الأجنبية التي هربت من أسواق السندات والأسهم في الاقتصادات الناشئة خلال نوبة البيع في مارس الماضي، خصوصاً إلى أسواق السندات.
وأوضح روبرتسون، أن النقطة المهمة هي أن الوصول إلى السوق متاح بالفعل، مضيفاً أن تكاليف الاقتراض يجب أن تكون منخفضة من الآن فصاعدا، كما أن الفرصة متاحة أمام الاقتصادات الناشئة للنمو بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين على خلفية التمويل الرخيص.
ومع ذلك، يحذر المحللون من أن حجم الدعم المتاح من الأسواق ليس بلا نهاية، ففي البرازيل، التي دخلت الركود رسمياً بعد انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الفصلي بنسبة 9.7% في الربع الثاني، يتلاعب بعض المسئولين الحكوميين بفكرة إزالة السقف الدستوري للبلاد على الإنفاق العام.
ومثل هذا القرار من شأنه ردع المستثمرين، والتسبب في مزيد من خروج رؤوس الأموال ويغذى ارتفاع أسعار الفائدة، وهي وصفة كارثية لأي اقتصاد يعتمد على الديون.
وفي الوقت نفسه، قال كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي، روبن بروكس، إن القدرة على اتخاذ إجراءات مالية وسياسات أخرى في جميع أنحاء العالم النامي كانت مقيدة بشكل أكبر بكثير من الاقتصادات المتقدمة.
وأشار إلى أن تدفقات النقد الأجنبي تباطأت بشكل حاد في أغسطس، مضيفاً أن النمو في الأسواق الناشئة، خارج الصين والهند، كان ينخفض بالفعل إلى مستويات الاقتصاد المتقدم قبل الوباء.
وأضاف بروكس: “القضية الحقيقية هي التباين في الاقتصاد الكلي، وهو ما يفترض أن يدور حوله صندوق النقد الدولي وآخرون، وبالنسبة للمجتمع الدولي، يجب أن تكون هذه دعوة للعمل”.