أشعر وكأنى أعيش فى واقع عشته من قبل، ففى عام 1988، كنت مستثمراً شاباً غير مخضرم، وقابلت محللاً لقطاع النقل فى شركة «نوميورا»، وشرح لى كيف أن شركة السكك الحديدية متوسطة الحجم وشديدة المديونية امتلكت أرضاً فى خليج طوكيو، وكان لديها الإمكانات لبناء مجمع شقق سكنية صغيرة على هذه الأرض، وبالتالى التنويع فى سوق العقارات شديد الربحية.
وبغض النظر عن أن الأرض كانت معزولة، ويتعذر الوصول إليها، وأنَّ الحصول على التصاريح اللازمة سيستغرق سنوات، فقد صمم نماذح مالية موسعة تظهر كيف أن السهم يساوى بالفعل خمسة إلى عشرة أضعاف قيمته الحالية، وشعرت برأسى يدور، وبالفعل كانت أسهم السكك الحديد اليابانية واحدة من أقوى الأسهم، وجسدت جنون الأسهم والعقارات فى العصر الحديث.
وفى ذلك الوقت، كان أى شىء تربطه أدنى علاقة بالعقارات يقع فى مركز المضاربات، والآن، يعد أكثر القطاعات سخونة فى أمريكا تقريباً هو القطاعات التكنولوجية، وقفزت قيم جميع الأسهم ذات الصلة الحقيقية أو غير الحقيقية بالحوسبة السحابية والمدفوعات الرقمية والسيارات الكهربائية والأغذية المزروعة أو أى شىء يتعلق باقتصاد المكوث فى المنزل.
وتعد القصص المحيطة بأحدث التكنولوجيات المغيرة للطرق المعتادة غير واقعية بقدر ما حدث فى اليابان، وتتشكل الفقاعات حول أسهم وقطاعات بعينها، ومع اتساع الدوائر المركزية تصاب المزيد والمزيد من الأسهم بالفقاعة، وتتسبب قصص الأسهم المبالغ فيها على نطاق واسع فى الانفصال بين تحليل أسس الشركات وأسعار الأسهم.
وهذا هو سبب امتلاك سهم مثل «تيسلا» قيمة سوقية تبلغ حوالى 400 مليار دولار بارتفاع من 80 مليار دولار فى مارس، و40 مليار دولار منذ عام. وبالتالى فإنَّ ارتفاع سهم «تيسلا» يأخذ سوق السيارات الكهربائية بأكمله فى نوبة من المضاربة، وتستمر هذه الكتل المفرطة فى الظهور والانتشار بحيث تتراكم فى نهاية المطاف فى أجزاء واسعة من السوق بما يزعزع استقرار الأسواق.
ومثلما أشار ارتفاع الأسعار نسبة إلى القيمة الاسمية إلى مخاطر تضاربية هائلة فى اليابان فى أواخر الثمانينيات عندما كانت الأصول كلها فى حالة انتعاش، فإنَّ معدلات نسب السعر إلى المبيعات غير المعقولة اليوم فى الولايات المتحدة تسلط الضوء على نقص الواقعية فى أسهم النمو الأكثر سخونة.
وعادة، تميل هذه النسبة لتكون مستقرة بشكل عادل؛ لأن الإيرادات ليست عُرضة للتقلبات الكبيرة فى الأرباح، كما أنها ليست سهلة التشويه نتيجة الابتكارات الحسابية على سبيل المثال مثل الدخل أو القيمة الاسمية، ولكن من النادر أن يتم تداول سهم بنسبة سعر إلى المبيعات تزيد على 10 مرات، وإذا كان هناك سهم يتم تداوله بعشرة مضاعفات المبيعات، ويكسب هوامش أرباح صافية بنسبة 20% – وهو رقم مرتفع بالتأكيد – فإنَّ مضاعف ربحيته سيكون شاهقاً للغاية عند 50 مرة.
واليوم، ووفقاً لحسابات «بلومبرج»، يتم تداول 530 من أصل 8513 شركة أمريكية مدرجة بمضاعف مبيعات 10 مرات، وهو ما يشكل 6.2% من جميع الأسهم العادية بارتفاع من 3.8% منذ تراجع السوق فى مارس، ولم نشهد هذه النسبة المرتفعة إلا فى ذروة فقاعة «الدوت كوم» فى مارس من عام 2000 عندما كان مضاعف المبيعات عند 6.6%.
وفى عام 2000، كان لدى ثلاثة من أكبر 10 أسهم أمريكية من حيث القيمة السوقية نسبة سعر إلى مبيعات فوق 10 مرات، وهى «سيسكو»، و«إنتل»، و«أوراكل»، واليوم أربعة من بين أكبر 10 أسهم أمريكية لديها هذه النسبة وهم «مايكروسوفت»، و«فيسبوك»، و«تيسلا»، و«فيزا»، وتكمن الفكرة فى أن نسب السعر إلى المبيعات الشاهقة تلك لا تظل فى السماء.
وهذا يأخذنا إلى الجزء السيئ بشأن الفقاعات، فهى لا تمر بعملية تقلص سلسة وذاتية حتى تختفى، وإنما تواصل التوسع حتى تنفجر، ولهذا السبب يكون انفجارها فى أغلب الأحيان صادماً ومذهلاً وغير منظم.
وفى مذكراته الصادرة عام 2007، كتب الرئيس السابق للاحتياطى الفيدرالى السابق، آلان جرينسبان، مشيراً إلى أواخر عام 1996، أنَّ أمريكا كانت تتحول إلى أمة مساهمين. وأشار إلى أن القيمة الإجمالية لممتلكات الأسهم ارتفعت من 60% من الناتج المحلى الإجمالى فى 1990 إلى 120% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول 1996 – وهى نسبة تفوقت عليها اليابان فقط فى ذروة فقاعة الثمانينيات.
وفى اليابان، ارتفعت النسبة إلى 140% بنهاية عام 1989، وفقاً للبنك الدولى، ووصلت نسبة القيمة السوقية للناتج المحلى الإجمالى فى الولايات المتحدة فى عام 2000 إلى هذا المستوى نفسه، واليوم تقل هذه النسبة فى أمريكا قليلاً عن 200%، وتبلغ قيمة شركات مؤشر «ستاندرد آند بروز 500» وحده 30 تريليون دولار أو 150% من الناتج المحلى الإجمالى. وصعب أن نقول متى وكيف سينتهى ذلك، ولكن فى ظل مواصلة الفيدرالى مشتريات الأصول الهائلة وتهاونه حتى فى مستوى التضخم المستهدف عن 2%، فإنَّ الفقاعة بالتأكيد فى طريقها لأن تصبح وأحدة من أكبر الفقاعات فى تاريخ أسواق الأسهم.
بقلم: أندرو بارلين، مؤسس ومدير الاستثمار فى «واشنطن بيك» للاستثمار والاستشارات
المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية