كان تفشى وباء «كورونا» يشكل دماراً أكبر من الناحية الصحية والاقتصادية على أمريكا اللاتينية من أى منطقة أخرى، حسبما ذكر البنك الدولى.
ولا تعد المتغيرات الجديدة للوباء فى البرازيل، وأعداد الوفيات التى لا تُحصى فى المكسيك والموجات الوبائية الثانية فى بيرو، سوى بعض ضربات مدمرة أخيرة تركت المنطقة فى وضع مترنح.
وفى هذا السياق، من السهل إغفال أحد النتائج الإيجابية للوباء، التى تتمثل فى طفرة تكنولوجية ناشئة تجعل الاقتصادات أكثر قدرة على المنافسة وتغير حياة الملايين من المواطنين الأفقر، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وقالت إيفون كويلو، رئيسة جمعية أمريكا اللاتينية لرأس المال المخاطر، إن الاستثمار فى شركات التكنولوجيا فى المنطقة تجاوز كل التوقعات فى عام 2020، فقد تجاوزت حاجز 4 مليارات دولار للعام الثانى على التوالى.
ويشعر نيكولاس سزيكاسى، الشريك المؤسس لشركة «كاسزيك فينشرز»، أحد أكبر شركات رأس المال الاستثمارى فى المنطقة، بالتفاؤل تجاه الأمر، وقال: «عندما تنظر إلى مقاييس اختراق التجارة الإلكترونية، فإن ما تم تحقيقه فى الأشهر الـ18 الماضية قد يستغرق أعواما عديدة فى الأوقات العادية».
ومن المؤكد أن الازدهار التكنولوجى له فوائد أوسع نطاقا بالنسبة لمنطقة تعرف بمنافستها المحدودة والأرباح السهلة فى القطاعات الرئيسية للاقتصاد، فضلا عن إهمال نسب كبيرة من السكان الأقل ثراءً أو الذين يعيشون فى المناطق الريفية النائية.
وأشار سزيكاسى إلى الخدمات المالية والصحة والتعليم باعتبارها القطاعات الرئيسية التى استفادت من هذا الازدهار التكنولوجى.
ويعمل حوالى نصف القوى العاملة فى أمريكا اللاتينية فيما يعرف باسم «الاقتصاد غير الرسمى»، وهو نوع من الوظائف غير المسجلة فى قطاعات الدولة وتُدفع أجور العاملين بها بشكل نقدى.
ومن الجدير بالذكر أن بنوك التجزئة التقليدية تتجنب مثل هؤلاء العمال، لذا فهم غير قادرين على الحصول على قروض أو سداد المدفوعات عبر الإنترنت بسهولة، فقد كان مشهد طوابير المواطنين الذين يدفعون فواتيرهم فى البنوك مشهدا مألوفا فى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية قبل تفشى الوباء.
وفى الوقت الراهن، هناك جيل جديد من شركات التكنولوجيا المالية المنافسة، مثل تطبيق «يالا» فى الأرجنتين، تعمل على تغيير هذا المشهد من خلال تقديم خدمات بسيطة عبر الإنترنت مثل دفع الفواتير وتحويل الأموال.
وقال الرئيس التنفيذى بييرباولو باربيرى: «الرقمنة تسمح لنا بإسقاط تكاليف خدمة عملاء الطبقة الوسطى الدنيا والطبقة العاملة، الذين لم يتم خدمتهم من قبل».
وخلال العام الماضى، ضاعف تطبيق إدارة الأموال الشخصية «يالا» أحجام مدفوعات الفواتير خمس مرات وضاعف مبلغ الأموال المحولة رقميا إلى حسابات العملاء عبر الإنترنت فى موطنه الأصلى الأرجنتين.
يذكر أن هذا التطبيق تم إطلاقه فى المكسيك العام الماضى ووصل عدد عملائه إلى 100 ألف عميل فى ثلث الوقت الذى استغرقته فى سوقها المحلية.
وقال مانويل سيلفا، الشريك العام فى «مويرو كابيتال» فى لندن، إن شركات التكنولوجيا المالية فى أمريكا اللاتينية تتيح لأرباب العمل لعب دور فى تقديم الخدمات الرئيسية للموظفين الذين لم يتعاملوا مع البنوك من قبل.
واستشهد بشركة «رونا» فى المكسيك، التى تسمح للشركات الأصغر بتقديم كشوف المرتبات والمزايا والخدمات الأخرى، أو «كوبرى» فى كولومبيا، التى تحاول تمكين أرباب العمل ليكونوا بمثابة بنك لموظفيهم.
وبالإضافة إلى مساهمة شركات التكنولوجيا المالية فى مساعدة غير المتعاملين مع البنوك، هناك قطاعان تكنولوجيان آخران لهما تأثير اجتماعى مهم، وهما تكنولوجيا التعليم والتكنولوجيا الصحية.
ويعتبر القطاع الأول خبرا سارا فى منطقة تقول منظمة اليونيسف إنها تأثرت بإغلاق المدارس بشكل أكثر من أى منطقة أخرى فى العالم، أما القطاع الثانى فهو يوفر فوائد واضحة للأشخاص الذين يعيشون فى المناطق النائية والذين يعانون عادة من أجل الحصول على خدمات طبية جيدة.
ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الحواجز اللازم التغلب عليها، فقد لاحظ البنك الدولى أن التوافر المنخفض نسبيا للوصول إلى الإنترنت الثابت والتكلفة العالية للخدمات الرقمية فى بعض الدول يمكن أن تستثنى بعضا من أفقر الدول من التحول التكنولوجى.
وقد حاولت الأرجنتين معالجة ذلك الأمر من خلال إعلان خدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول والخطوط الثابتة كخدمات عامة رئيسية تخضع لضوابط الأسعار، لكن هذا الأمر له مشاكله الخاصة، حيث تخشى بعض الشركات العالمة فى هذا المجال من إمكانية إلحاق مثل هذه الضوابط الضرر بالاستثمارات الخاصة بهم.
وبشكل عام، على الرغم من ذلك، هناك شعور يقول إنه على الرغم من كل الأهوال اللاحقة لفيروس كورونا، إلا أنه سيتم تذكر تطور قطاع التكنولوجيا فى أمريكا اللاتينية باعتباره مكسبا إيجابيا واحدا لتفشى هذا الوباء.








