يبدو أن أوروبا تواجه مأزقاً جديداً، ففى الوقت الذى تحاول فيه احتواء تفشى وباء “كورونا”، تهيئ نفسها لمواجهة أزمة أخرى، لكنها أزمة مالية هذه المرة.
ولضمان إمكانية استمرار العملة المشتركة، التى تقع فى قلب المشروع الأوروبى، سيتعين على قادة الاتحاد الأوروبى التعاون بطرق كانوا قد قاوموها من قبل وحتى الآن.
ومن المؤكد أن اعتماد العملة الموحدة كان له فوائد كبيرة، بداية من التجارة الخالية من الحواجز إلى تحسين القدرة التنافسية العالمية، لكن اليورو أجبر الدول الأعضاء أيضاً على التخلى عن السياسات النقدية المستقلة التى قد تساعد فى دعم الديون الوطنية والأنظمة المالية.
وكانت إحدى النتائج تتمثل فى معاناة البنوك من ضائقة من شأنها تشكيل تهديد متزايد لمالية الحكومات الفردية – والعكس صحيح – وهو ما يسمى “حلقة الهلاك” التى ظهرت بطريقة مذهلة خلال أوائل عقد 2010، عندما كادت منطقة اليورو تتفكك.
وفى عام 2012، اتفق القادة الأوروبيون على ما كان ينبغى أن يكون جزءاً كبيراً من الحل، فقد تصوروا اتحاداً مصرفياً كاملاً، تتحمل من خلاله الحكومات مسئولية مشتركة للإشراف على المؤسسات المالية، والأهم من ذلك تفكيك أو إعادة رسملة البنوك عند الضرورة وجذب المودعين.
ومع ذلك، كان التقدم بطيئاً للغاية، فبالرغم من أن البنك المركزى الأوروبى يشرف الآن على أكبر البنوك فى المنطقة، فإنَّ الحكومات الفردية لا تزال تتحمل تكلفة عمليات الإنقاذ، كما أظهرت عمليات الإنقاذ فى إيطاليا وألمانيا، كما أن التأمين على الودائع المتبادلة ليس أكثر من مجرد اقتراح.
ولقد أدى الوباء إلى تفاقم المشكلة؛ حيث تتحمل الحكومات مزيداً من الديون فى ظل جهودها لتوفير الإغاثة الاقتصادية، حسبما ذكرت وكالة أنباء “بلومبرج”.
ويقدر صندوق النقد الدولى أن الدين الحكومى العام فى منطقة اليورو سيتجاوز حاجز الـ98% من الناتج المحلى الإجمالى بحلول نهاية عام 2021، ارتفاعاً من 84% فى نهاية عام 2019.
والأسوأ من ذلك، أن التزامات الدول الفردية تتراكم فى الميزانيات العمومية لمصارفها، فقد بلغت حيازات البنوك الإيطالية من ديون الحكومة الإيطالية 124% من احتياطيات رأس المال والخسائر فى نهاية فبراير، ما يجعلها ضعيفة للغاية فى حالة مواجهة ضائقة مالية.
وبصرف النظر عن المخاطر المالية التى يمثلونها، فإن هذه الانكشافات السيادية تٌصعب تحقيق الاتحاد المصرفى من الناحية السياسية، فعلى سبيل المثال لا ترغب دول شمال أوروبا، مثل ألمانيا، فى التوقيع على تأمين الودائع المتبادل إذا كان ذلك يعنى دعم حيازات البنوك الإيطالية المفرطة من الدين العام الإيطالى.
من جانبها، تشعر حكومات الدول المثقلة بالديون بالقلق من أن القيود المفروضة على حيازات البنوك قد تجعلها غير قادرة على الاقتراض عندما يتعين عليها ذلك.
وهناك طريق إلى الأمام، فمن أجل دفع البنوك نحو التنويع، يمكن للبنك المركزى الأوروبى تعيين “محفظة آمنة” للديون الحكومية تتوافق بدورها مع حصص الدول الأعضاء فى الناتج المحلى الإجمالى للمنطقة، وهى الفكرة التى اقترحها فى الأصل وزير المالية الألمانى أولاف شولز ووضعها عضو البرلمان الأوروبى الاقتصادى لويس جاريكانو.
وأى اختلاف يستلزم زيادة فى متطلبات رأس المال، وهذا من شأنه معالجة مخاوف دول الشمال من خلال منح البنوك حافزاً للحد من انكشاف الحكومات المحلية.
وفى الوقت نفسه، من شأنه تخفيف الضغط الذى كان من الممكن أن يُفرض على الحكومات المثقلة بالديون، فالانخفاض فى حيازات البنوك الإيطالية من ديون حكوماتها يمكن تعويضه جزئياً على الأقل عبر زيادة حيازات البنوك الأخرى.
ومن المؤكد أن هذه خطوة ستمهد الطريق نحو اتحاد مصرفى فى حد ذاته، وبالتالى يجب على زعماء أوروبا أن يذهبوا أبعد من ذلك، ويجب عليهم إجراء ترقية كبيرة لمجلس الحل المفرد (Single Resolution Board)، مع تزويده بالصلاحيات والموارد اللازمة لتولى وتصفية أو إعادة رسملة البنوك فى أى مكان فى منطقة اليورو، فضلاً عن تعويض المودعين، مثلما تفعل مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية فى الولايات المتحدة.
ولجعل صندوق التأمين المشترك أكثر قبولاً من الناحية السياسية، يمكن تصميمه فى البداية ليكون بمثابة دعامة للصناديق الوطنية فقط.
وخلال الوباء، كان قادة أوروبا على استعداد لتعميق تعاونهم، وعلى الأخص فى تجميع الموارد المالية لدعم اقتصادات الاتحاد الأوروبى الأكثر تضرراً.
ومع الإلحاح المتزايد، ينطبق نفس المنطق على قطع الصلة بين صحة البنوك وملاءة الحكومات الوطنية، وإلى أن يتم معالجة هذا الأمر فسيكون نظام العملة الموحدة فى أوروبا عمل غير مكتمل بشكل خطير.








