عانى العالم من المخاوف الصحية متعلقة بفيروس كورونا، وما أعقب ذلك من إغلاق حكومي، واستمرت المعاناة على مدار عام كامل، وهو ما ساهم في ازدهار التسوق عبر الإنترنت وزيادة اللجوء إلى الشركات المحلية.
وتشير الدلائل إلى أن هذا التحول في سلوك المستهلك سيصمد بعد الوباء، ما يعني أن تجار التجزئة سيتعين عليهم التكيف مع الأمر، لضمان تسليم البضائع بسرعة وبتكلفة زهيدة.
وارتفع التسوق عبر الإنترنت بعد فرض القيود الأولى للسيطرة على تفشي الوباء.
وقالت المؤلفة المشاركة لأبحاث “ماكينزي” حول ثقة المستهلك الأمريكي، تمارا تشارم: “في الأسابيع الثمانية الأولى من الوباء، عندما تم إغلاق كل شيء في الولايات المتحدة، تسارع حجم التجارة الإلكترونية بشكل يعادل ما كانت عليه في الأعوام العشرة التي سبقت ذلك”.
وعندما تم تخفيف القيود الأمريكية بعد ذلك، عقب انحسار حالات الإصابة في الموجة الأولى من الوباء، تراجعت نسبة المبيعات عبر الإنترنت.. لكنها ظلت عند مستوى أعلى بكثير مما كانت عليه قبل الوباء، وقد لوحظ أن هناك اتجاهاً مماثلاً في الدول الأخرى، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة “سكوري Scurri “، روري أوكونور، وهي الشركة التي تزود تجار التجزئة بالبرمجيات اللازمة لإدارة عمليات التسليم: “كان هناك تحول جوهرى، إذ ساهم الوباء في تسارع وتحفيز تغير العادات”.
وكان شراء البضائع عبر الإنترنت يشكل تجربة جديدة بالنسبة للبعض، فقد اشترى ما يصل إلى 22 مليون أمريكي البقالة عبر الإنترنت للمرة الأولى في عام 2020، بحسب شركة “نيلسن أي كيو NielsenIQ “، وهي مزود لبيانات المستهلك.
ويبدو أن هؤلاء المتسوقين عبر الإنترنت سيستمرون في البقاء. فقد وجد استطلاع أجرته شركة “ماكينزي” في سبتمبر 2020، أن نسبة كبيرة للغاية من المستهلكين في العديد من الاقتصادات الكبيرة- بما في ذلك الهند وإسبانيا والولايات المتحدة- كانت تعتزم إجراء المزيد من عمليات الشراء عبر الإنترنت بعد الوباء، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل بدء تفشي الوباء والتحول في سلوك المستهلك.
كانت زيادة الدعم المقدم للشركات المحلية هى التغيير الآخر الذي أحدثه الوباء.
ويقول سكوت ماكينزي، رئيس الاستخبارات العالمية لشركة “نيلسن”: “في هذا الوقت من العام الماضي، عندما فُرضت عمليات الإغلاق للمرة الأولى، كان هناك كثير من التجمعات في المجتمعات المحلية، فقد وجدنا جميعاً مجتمعات انجذبنا إليها، وشمل ذلك الموردين المحليين والمتاجر المحلية”.
وفي مسح أجرته شركة الأبحاث “كوادرانجل Quadrangle” في يوليو الماضي، وجد أن أكثر من 45% من البريطانيين يعتقدون أن الشراء من العلامات التجارية المحلية والمستقلة أصبح أكثر أهمية منذ بداية الوباء.
ووجد استطلاع منفصل أجرته كلية كينجز لندن وشركة “إبسوس” (Ipsos) أن ثلاثة من كل 10 أشخاص في المملكة المتحدة يخططون للتسوق محلياً في كثير من الأحيان عند رفع القيود الوبائية.
لكن مع استمرار اعتزام كثيرين تجنب التسوق بشكل شخصى- وبالتالي اللجوء لاختيار عمليات التسليم والنقر والاستلام بدلاً من ذلك- ستحتاج هذه المتاجر المحلية إلى إيجاد طريقة فعالة من حيث التكلفة لتسليم الأصناف إلى قاعدة عملاء داعمة.
ويتوقع ماكينزي أن المتاجر الصغيرة، التي ليست لديها إمكانات توصيل خاصة بها، سترغب في الاقتران مع الشركات القريبة التي تقدم منتجات تكميلية لعملائها، مشيراً إلى أن جهات النقل تتنافس لتقديم أسعار أقل في ظل إيلاء مزيد من الاهتمام لتكاليف التسليم.
وكانت شركة إدارة خدمة توصيل البقالة “إنستاكارت Instacart ” إحدى الشركات التي استفادت من هذا الارتفاع في الطلب على المنتجات المحلية، وساعدت في ربط العملاء عبر الإنترنت بجهات التسوق في منطقتهم الذين يمكنهم التقاط البضائع من البقالة القريبة ومن ثم توصيلها.
ومن المتوقع أيضاً أن يرتفع الطلب على مثل هذه الخدمات، التي يمكن أن تتجاوز حدود البقالة.
وتطورت خدمات توصيل الطعام الجاهزة بشكل أكبر لتلبية احتياجات العملاء الذين يرغبون في الحصول على إشباع فوري.
وتقول تشارم، المؤلفة المشاركة لأبحاث “ماكنزي”: “هناك المزيد والمزيد من الشركات التي تشارك مع شركات آلية التسليم هذه، والتي يمكنها المساعدة في جذب الموارد والتكنولوجيا اللازمة لنقل المنتجات من مكان إلى آخر”.
وتوضح هذه الخدمات أيضاً كيف يمكن أن يستمر السلوك المعتمد أثناء الإغلاق بعد ذلك، فقد تضاعفت زيارات العملاء إلى “دور داش” و”أوبر إيتس” في الولايات المتحدة بأكثر من الضعف خلال الأسابيع الخمسة التي تلت إعلان حالة طوارئ وطنية للسيطرة على الوباء.
ومع ذلك، حتى مع تخفيف القيود في أعقاب الموجة الأولى من حالات الإصابة بفيروس كورونا، استمرت حركة تدفق العملاء إلى المواقع الإلكترونية في الارتفاع، وقد حدث ذلك على مدار العام.
وبحلول نوفمبر الماضي، تم إجراء ما يقرب من 60 مليون زيارة إلى تطبيق “دور داش” في ذلك الشهر، بارتفاع من 19 مليون زيادة في المتوسط في الأشهر التي سبقت الوباء.
ومع ذلك، بالنسبة لغالبية الناس، لا يزال التسوق عبر الإنترنت يكمل فقط عمليات الشراء التي تتم بشكل شخصي، بدلاً من استبدالها بالكامل.
واعتبرت 6% فقط من الأسر الأمريكية نفسها متسوقاً حصرياً عبر الإنترنت في سبتمبر 2020، بحسب بيانات شركة “نيلسن”.
ويقول ماكينزي: “من المتوقع أن يكون هناك بعض الخاسرين إذا لم تنتبه الشركات إلى تحول المستهلك إلى النظام الرقمى”.