في عام 1910، بعد أن قرر أن عاصمته تفتقر إلى المساكن المناسبة للمجتمع الأوروبي الراقي، ترأس الملك ألفونسو الثالث عشر، افتتاح فندق مدريد ريتز، أول فندق فاخر في إسبانيا.
وفي أبريل، مع استعداد إسبانيا وجنوب أوروبا لعصر سياحة ما بعد الوباء، افتتح الفندق المكون من 153 غرفة أبوابه من جديد بعد خضوعه لتجديد دام 3 أعوام وتكلف 100 مليون يورو.
فالفندق يتميز الآن بأبواب مدخل زجاجية بارتفاع 4 أمتار وثريات بجانب المسبح، ورموز على شكل تاج منسوجة على السجاد أمام كل غرفة.
وراهنت شركة “ماندارين أورينتال”، وهي مشغل الفندق وشريكة في ملكيته، على أن العالم الذي يواجهه فندق مدريد ريتز الآن سيكون ملائما بشكل أكثر للسياحة الراقية مقارنة بفترة ما قبل الوباء.
وهذة فرضية تحظى بشعبية في وقت تستعد فيه أوروبا لإعادة فتح سوق السياحة، وتضع المملكة المتحدة قواعد جديدة للسفر ويحدد الاتحاد الأوروبي خططا للانفتاح اعتبارا من الشهر المقبل.
السؤال الهام الآن هو ما إذا كان “كوفيد” غير السياحة إلى الأبد؟ حسبما أشارت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
يقول جريج ليدل، المدير العام لفندق “مدريد ريتز”: “الضيوف ينتظرون بدء السفر مرة أخرى بفارغ الصبر”.
وأضاف مدير الفندق، حيث يمكن أن تصل تكلفة الغرفة في الليلة إلى 15 ألف يورو: “نشهد نمطا قويا من الطلب”.
وأشار إلى أن عرض مدريد المتزايد للفنادق الفاخرة- افتتح أول فندق فورسيزونز في إسبانيا في عام 2020- سيسمح للمدينة بالتنافس مع جميع الوجهات المعروفة في أوروبا.
ويعد هذا الأمر جزءاً من تحول دول جنوب أوروبا إلى الأنشطة السياحية الأكثر ربحية مع تزايد الشكوك حول استدامة نموذج السوق الشامل. فالبعض يستخدم موارد من صندوق الاتحاد الأوروبي للتعافي من الوباء، البالغ قيمته 750 مليار يورو، لدعم التحول.
ويقول رييس ماروتو، وزير السياحة الإسباني: “نحن ننتقل من نموذج كلما زاد عدد السياح كان ذلك أفضل إلى نموذج نفقات أعلى وليالٍ أكثر وسياح متميزين”.
وأوضح: “القطاع والحكومة سيستخدمان صندوق الاتحاد الأوروبي للمضي قدما في هذا التغيير.. لذا يتعين علينا تحسين عروض العطلات حتى يكتشف المسافرون منتجات تتجاوز شواطئنا الرائعة”.
وفي حين لا أحد يشير إلى الموت الوشيك لعطلات الشواطئ، التي تتراوح من الصفقات الشاملة كليا في الفنادق الكبيرة المطلة على البحر إلى الإقامات المستقلة في الفيلات أو أماكن إقامة أخرى، تدرك الصناعة بشكل متزايد أن نمو ما بعد كوفيد سيأتي على الأرجح من أماكن أخرى.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة الرحلات السياحية “توماس كوك”، آلان فرينش، إن الناس الآن “يهتمون أكثر بالقيام بعطلة تجريبية كل عامين أو ثلاثة أعوام أكثر من رحلة الشمس السنوية”.
ويذكر أن شركته لا تستهدف العطلات المشمسة والشاطئية فقط، بل أيضا العطلات الموجودة في تلك الوجهات التي تحتوي على مزيد من الأنشطة فيها.
إنها قضية ضخمة بالنسبة لصناعة أوروبية حيوية، فقد جذبت القارة في عام 2019 ما يصل إلى 619 مليار دولار، وهو أكبر إنفاق للزوار الدوليين من أي منطقة عالمية كبرى، وفقا لمجلس السفر والسياحة العالمي، لكن القطاع تقلص بشكل كبير نتيجة للأزمة.
انخفض إنفاق السائحين بنسبة 64% في عام 2020 مقارنة بالعام السابق، في حين انخفض إجمالي مساهمة السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا إلى النصف ليصل إلى 1.12 تريليون دولار. كما فقد 3.6 مليون شخص في جميع أنحاء القارة وظائفهم في هذا القطاع، أي نحو 10% من القوة العاملة لعام 2019.
ويقول بول تشارلز، الرئيس التنفيذي لشركة استشارات السفر “بي.سي إجنسي” (PC Agency): “الوباء أدى لتغيير نموذج أعمال السفر التقليدي مع تركيز المشغلين والوجهات على العملاء الأكثر ربحية، ويجب أن يتكيف نموذج الطيران الحالي مع الأمر”.
ولم يكشف الوباء عن الاعتماد المتزايد لاقتصادات، مثل إسبانيا، على السياحة فحسب.. بل كشف أيضا اعتمادهم على نوع معين من النشاط السياحي، وهو الرحلات الرخيصة التي طورتها ديكتاتورية فرانكو في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، والتي أدت إلى البناء على طول سواحل أوروبا وظهور الأماكن الشاهقة مثل بنيدورم.
وتحاول إسبانيا التخلص من هذا الإرث، حيث يقول وزير السياحة ماروتو: “إذا قمنا بتحسين وجهاتنا، فسيسمح لنا ذلك بجذب سياح أفضل ممن يقدرون الاستثمارات التي سنقوم بها”.
وتخطط الحكومة الإسبانية لإنفاق 3.4 مليار يورو من أموال صندوق التعافي الأوروبي لتحديث البنية التحتية السياحية خلال الثلاثة أعوام المقبلة، في ظل البحث عن المزيد من الزوار من آسيا والمزيد من الزوار الثقافيين والمزيد من المشجعين الذين يسافرون إلى مواقع تصوير الأفلام والمسلسلات التلفزيونية مثل مسلسل “لعبة العروش”.
ولم تختص إسبانيا بهذه الطموحات وحدها.
ففي إيطاليا، قالت حكومة ماريو دراجي، إنها ستلجأ لأموال الاتحاد الأوروبي من أجل التركيز على تحسين استدامة قطاع السياحة في البلاد حيث تستعد لإعادة فتح أبوابها.
لكن الوضع مختلف في فرنسا، الوجهة الأكثر شعبية في العالم، فهي أقل اعتمادا على عطلات الشمس وركوب الأمواج، نظرا لأن ثلثي عائداتها السياحية يتم توليدها محليا.
وكان السائحون الأمريكيون والصينيون المتميزون يتواجدون في متاجر العلامات الراقية في باريس وفنادق الأربع والخمس نجوم.. لكن قد تحتاج البلاد لبذل جهد إضافي لجذبهم مرة أخرى بمجرد انحسار الوباء.
وكانت اليونان، البلد المحبوب من قبل العديد من الأوروبيين الشماليين، تعيد التفكير أيضا في السياحة التجارية. إذ يقول وزير السياحة اليوناني هاري ثيوهاريس إن أثينا لم تعد تشجع الاستثمار في العطلات الشاطئية التقليدية، نظرا لعدم التأكد من إمكانية استمرار هذا نموذج بلا هوادة.
كانت السياحة الفاخرة تمثل 21% من إجمالي إيرادات السياحة في أوروبا في عام 2019، بحسب شركة بيانات المستهلك “ساتستا”. وفي حين ان ذلك النوع من السياحة كان الأكثر تضررا من السفر منخفض التكاليف خلال الوباء، إلا أنه يتوقع تعافيه سريعا، ما يزيد حصتها في سوق السياحة في القارة.








