يراقب العالم عن كثب، المحفزات المالية الضخمة للرئيس جو بايدن.. لكنها ليست التجربة الاقتصادية الوحيدة التي تجري في واشنطن التي يمكن أن تلهم إعادة التفكير في السياسة في مكان آخر، بل إن التغير في سياسة الاحتياطي الفيدرالي الصيف الماضي ليصبح أكثر تسامحا مع ارتفاع التضخم فوق هدفه، أصبح له تأثير محسوس الآن في مراجعة الاستراتيجية لدى البنك المركزي الأوروبي.
وفي مقابلة مع “فاينانشيال تايمز”، كشف أولي رين، محافظ بنك فنلندا، عن تأييده لإصلاح سياسي في المركزي الأوروبي على غرار الاحتياطي الفيدرالي، وفي العام الماضي، أعلن رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جاي باول، عن تحولين هامين في نهج البنك المركزي الأمريكي في وضع السياسة النقدية، وأصبح الفيدرالي ينظر الآن إلى التضخم على أنه متوسط بمرور الوقت، وليس لقطة في لحظة معينة.
وفي السياق الحالي سيسمح انخفاض التضخم عن المستوى المستهدف 2% خلال أغلب الوقت منذ الأزمة المالية العالمية له بتجاوزالمستوى المستهدف لبعض الوقت لتعويض التراجع في الفترة الماضية، كما تبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي وجهة نظر مختلفة بشأن التوظيف، والتي ترى سوق العمل الضعيف مشكلة في حد ذاتها، ولكن هذه المشكلة ستكون قوية ومصدرا للقلق فقط إذا تسببت في دفع التضخم إلى الارتفاع.
من الناحية القانونية، يتمتع البنك المركزي الأوروبي بحرية تغيير السياسة فيما يخص كلا الأمرين إذ يمكنه أن تضع تعريفه الخاص لاستقرار الأسعار، كما أن تفويضه يتطلب منه أن يأخذ أهداف سياسة أوسع، بما في ذلك التوظيف، في الاعتبار طالما أنها لا تزعزع استقرار الأسعار، ولكن هل سيكون من الحكمة اتباع الاحتياطي الفيدرالي؟ الجواب هو أن الاعتبارات التي دفعت باول وزملائه إلى تحديد مسار جديد هي أقوى في منطقة اليورو حيث انخفض نمو أسعار المستهلكين بقدر أكبر عن هدف البنك المركزي مما هو عليه في الولايات المتحدة.
وقد تسبب هذا في تشويه اقتصادي أكبر بالمقابل إذ كانت التزامات الديون الحقيقية أكبر مما توقعه المقرضون أو المقترضون عندما وثقوا في البنك المركزي الأوروبي لإبقاء التضخم على المسار الصحيح، وأوضح رين الضوء أن الصيغة الحالية للبنك المركزي الأوروبي لهدف التضخم – “أقل من 2% ولكن قريبة منها – تشير إلى ميل هبوطي، أما الهدف المشابه للفيدرالي لمتوسط بمرور الوقت سيكون أكثر وضوحا، ويمكن أن يعزز توقعات التضخم.
كما أنه من غير المرجح أن تنخرط الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي في تحفيز مالي يقترب بأي حال من الأحوال من الحجم الحالي في الولايات المتحدة حتى بعد التبني غير المسبوق في العام الماضي لخطة التعافي المشتركة البالغة 750 مليار يورو.، وهذا يعني أن حجة التشديد النقدي أضعف بكثير في منطقة اليورو منها عبر المحيط الأطلسي.
وقد يساعد أخذ وضع سوق العمالة في الاعتبار بشكل أكثر وضوحا عند وضع السياسة ، وبقدر ما تسمح به مهام البنك المركزي، في الإشارة إلى اعتزام المركزي الأوروبي الحفاظ على ظروف تمويل مواتية للاستثمارات التي يتعين على كل من القطاعين العام والخاص القيام بها من أجل عودة الاقتصاد إلى إمكاناته الكاملة.
يتجه العالم نحو علاقة أكثر تناسقا بين السياسة المالية والنقدية ، وينبغي أن تتطور إستراتيجية البنك المركزي للحفاظ على تنسيق آمن وشفاف، هناك إذن أسباب وجيهة للبنك المركزي الأوروبي لتحديث استراتيجيته على غرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، ويتمثل التحدي الأكبر في إثبات قدرتها على تحقيق ذلك.
بعد سنوات من الفشل في الوصول إلى هدف التضخم الحالي الأقل تطلبا، هناك ما يبرر الشعور بالشك، ولم تنفذ ذخيرة البنك المركزي الأوروبي لكن افتقاره للقلق من خطوات الفشل السابقة يشير إلى عدم استعداده لاستخدام قوته الكاملة، وتعد مراجعة الاستراتيجية فرصة لإزالة مثل هذه الشكوك.
بقلم: افتتاحية صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.