مع إعادة فتح الشركات بعد الإغلاق الذى فرض للسيطرة على تفشى جائحة فيروس كورونا المميت، يبدو أن نقص العمالة ظهر بشكل واضح فى الاقتصادات المتقدمة، التى تسعى لإعادة توظيف العمال سريعاً، فى تطور يهدد برفع تكاليف الأجور بالنسبة للشركات.
وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن الضغوط أصبحت أكثر وضوحاً فى الولايات المتحدة.
قالت المحللة لدى شركة الاستشارات «كابيتال إيكونوميكس»، جينيفر ماكيون، إنَّ استطلاعات الأعمال الأمريكية تظهر دليلاً واضحاً بالفعل على نقص العمالة، وسط ارتفاع الوظائف الشاغرة، وعمل الموظفين لساعات أطول مما كان معتاداً فى الماضى.
بدأت البطالة فى أوروبا فى الانخفاض، فى حين كان وضع لندن وبرلين مماثلاً للمدن الأمريكية، إذ كافحت الحانات والمطاعم لشغل الوظائف الشاغرة، وهو الأمر الذى أثار تساؤلات حول ما إذا كان هناك حاجة لرفع الأجور حتى تجذب الموظفين.
لكن نظراً إلى استمرارية افتقار الاقتصاد الأمريكى لنحو 10 ملايين وظيفة مقارنة بالاتجاه الذى كان عليه قبل انتشار الوباء، ومنح 5 ملايين عامل إجازة دون أجر فى فرنسا وألمانيا فى نهاية الربع الأول، يجب أن يكون أرباب العمل، من الناحية النظرية، قادرين على الاعتماد على مجموعة من الأشخاص الذين يتطلعون إلى العودة الى العمل.
فى الولايات المتحدة، يجادل بعض السياسيين والاقتصاديين بأن مزيج إعانات البطالة السخية والمخاوف الصحية وقضايا رعاية الأطفال، قد يؤدى إلى نفور الناس من القوى العاملة.
وفى المملكة المتحدة، يجد أرباب العمل أن العديد من مواطنى الاتحاد الأوروبى قد غادروا وأن بعض الناس قلقون من ترك الأمان النسبى للتسريح المؤقت مقابل الحصول على وظيفة جديدة.
وحتى فى منطقة اليورو، حيث الاقتصادات فى مرحلة مبكرة من إعادة الفتح، تشير أحدث استطلاعات الأعمال إلى أن التوظيف أصبح أكثر صعوبة، بحسب ما نقلته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
لم يتضح بعد ما إذا كان هذا قد بدأ فى رفع الأجور. ففى الولايات المتحدة، أظهر مؤشر تكاليف التوظيف الفصلى أكبر قفزة فى الأجور لمدة 14 عاماً فى الربع الأول من عام 2021، لكنه متخلف عن الأحداث على أرض الواقع ويمكن أن يكون متقلباً.
أما فى منطقة اليورو والمملكة المتحدة، فتعرضت المقاييس الرئيسية لنمو الأجور للتشويه؛ بسبب ارتفاع عدد العمال ذوى الأجور المنخفضة الذين ما زالوا عاطلين عن العمل، وبسبب خفض ساعات العمل؛ بسبب الإجازات وخطط العمل ذات الوقت القصير.
كما قال إيان شيبردسون، من شركة «بانثيون ماكرو إيكونوميكس» الاستشارية: «إذا لم يتم حل مشكلة نقص العمالة الواضحة فى البيانات الأخيرة، فإن نمو الأجور فى الولايات المتحدة سيرتفع، وبالتالى سيرتفع الطلب على العمل سريعاً».
وأشار «شيبردسون» إلى أن بعض الضغوط قد تكون مؤقتة، خاصة بعد إعادة فتح المدارس وبعد ما تصبح إعانات البطالة أقل سخاء.
وأضاف: «لا أحد يعرف على وجه اليقين ما إذا كان هؤلاء الأشخاص قد تركوا قوة العمل، لذا لا أحد يعرف ما إذا كانوا سيعودون».
وقالت هايدى شيرهولز، مديرة السياسة فى معهد السياسات الاقتصادية، إنَّ أجور الضيافة والترفيه فى الولايات المتحدة تعود إلى اتجاهها السابق للوباء، ولا يرجح أن تؤدى إلى ضغوط أوسع؛ لأنها ظلت أقل بكثير من الأجور فى القطاعات الأخرى.
وكتبت «شيرهولز»، فى مدونة حديثة: «ثمة أدلة قليلة جداً على أن سوق العمل فى قطاع الترفيه والضيافة على وشك أن يشعل النار فى بقية الاقتصاد. نقص العمالة الذى يؤدى إلى ارتفاع الأجور بهذا القطاع لا يعمل برافعة طويلة بما يكفى لرفع الأجور فى جميع المجالات».
ويجادل خبراء الاقتصاد الآخرون بأن ضغوط الأجور حقيقية فى الولايات المتحدة، لكن يجب أن تكون أضعف وعابرة بشكل أكثر فى أماكن أخرى، خاصة فى منطقة اليورو.
وقال هولجر شميدنج، الاقتصادى فى مصرف «بيرينبيرج»، إنَّ هذا الأمر يرجع جزئياً إلى الاختلافات فى أنظمة المفاوضة على الأجور، التى تميل إلى التكيف بشكل أبطأ مع تقلبات النمو الاقتصادى فى الدول الأوروبية القارية، حيث تمت تغطية الكثير من العمال عبر صفقات الأجور القطاعية.
فى بعض الدول، يتم ربط الأجور بمؤشر التضخم فى العام السابق، ما يعنى أن الزيادات ستكون صغيرة فى 2021. وفى ألمانيا، ستستمر صفقات الأجور القطاعية التى عقدت فى ظل الركود لمدة عامين.. لذا لن يظهر انتعاش الصناعة القوى فى الأجور لبعض الوقت، وفقاً لشميدنج.
فى الوقت نفسه، قد يكون لدى أرباب العمل فى المملكة المتحدة ومنطقة اليورو مجموعة أكبر من العمال للاستفادة منهم.
وازداد الخمول الاقتصادى فى كل مكان، لكن جنيفير ماكيون، من «كابيتال إيكونوميكس»، تجادل بأن الكثير من العمال، الذين تركوا سوق العمل، فى الولايات المتحدة اختاروا التقاعد بشكل دائم.
أما فى المملكة المتحدة ومنطقة اليورو، فيمكن الاستغناء عن الموظفين الذين تم منحهم إجازة دون أجر، بعد انتهاء فترة إعانات الأجور، أو يمكن دخولهم مرة أخرى إلى سوق العمل.
فى نهاية المطاف، ستعتمد توقعات الأجور فى الاقتصادات المتقدمة على قوة التعافى، ومدى التحفيز الذى ستواصل الحكومات والبنوك المركزية تقديمه فى الأشهر المقبلة.








