بعد معاناته من عدة موجات من «كوفيد- 19»، بدأ الاقتصاد الأوروبى التعافى الآن، فحملة التطعيم الخاصة به تمضى قُدماً، كما أن قيود الإغلاق آخذة فى التخفيف الآن.
ففى 17 مايو، تقلص حظر التجوال فى إيطاليا من الساعة 10 مساء إلى 11 مساء، وفى 19 مايو سُمح لسكان باريس بالعودة إلى مقاهيهم المحببة، بعد ستة أشهر من إغلاقها.
وتعتبر الشركات الألمانية فى أعلى مستوياتها تفاؤلاً منذ عامين- بحسب الأرقام الصادرة فى 25 مايو- كما أنَّ المعنويات الاقتصادية الأوسع آخذة فى الارتفاع، والإغاثة تنتشر على نطاق واسع، بينما سيكون الانتعاش أقل من ذلك.
ودخلت أوروبا فى أزمة الوباء مع ندوب لم تلتئم بعد، إذ تفوقت دول الشمال، ومنها ألمانيا على دول الجنوب، ومنها إسبانيا وإيطاليا.
كما أن الوباء تسبب فى زيادة الآلام الاقتصادية للبلاد، فقد انخفض الاستهلاك المنزلى فى إسبانيا وإيطاليا بنسبتى 30% و20% على التوالى بين الربع الأخير من عام 2019، والربع الثانى من عام 2020، مقارنة بـ11% فقط فى ألمانيا.
وأدت عمليات الإغلاق وجفاف عائدات السياحة إلى إطالة أمد الألم.
وبحلول نهاية عام 2020، كان الاستهلاك فى إيطاليا وإسبانيا أقل بأكثر من عُشر من ذروة ما قبل الأزمة، مقارنة بتراجع نسبته 6% فى ألمانيا، و7% فى فرنسا، حسبما نقلت مجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية.
وتشير بعض المؤشرات إلى أن الدول الأكثر تضرراً تتعافى بشكل أسرع. فعلى سبيل المثال، تشير بيانات التنقل التى رصدتها «جوجل» بداية من منتصف شهر مايو إلى أن السفر للترفيه والتجزئة، عاد إلى طبيعته بسرعة أكبر فى إيطاليا وإسبانيا، مقارنة بفرنسا وألمانيا، ربما بسبب إعادة فتحهما فى وقت مبكر.
ويشير البعض الآخر إلى الاختلاف، فالأرقام من منصة «إنديد» التى تشير إلى أن الانتعاش فى الوظائف الشاغرة التى نشرها أرباب الأعمال فى إيطاليا يتفوق بكثير على تلك الموجودة فى فرنسا وألمانيا، ناهيك عن إسبانيا. وذكرت «ذى إيكونوميست»، أنَّ هناك ثلاثة عوامل ستؤثر على تكافؤ الانتعاش:ـ
العامل الأول هو مدى تخفيف القيود الخارجية؛ حيث تعتبر قيود السفر الأكثر تشدداً أمراً مهماً بالنسبة لإسبانيا، التى شكلت عائداتها السياحية 12% من الناتج المحلى الإجمالى قبل الوباء.
وفى الوقت نفسه، تعتمد قوة الازدهار الصناعى فى ألمانيا على حل الاختناقات التى تعانى منها سلسلة الإمداد فى البلاد.
ويتمثل العامل الثانى فى مدى إنفاق المستهلكين لأموالهم المتراكمة؛ حيث يمكن أن تسهم أكوام المدخرات الزائدة فى تعزيز وضع الدول الأكثر تضرراً على اللحاق بالركب.
وبالمقارنة بالفرنسيين والألمان، استطاع الإيطاليون والإسبان الادخار فى عام 2020 بشكل أكثر بكثير مما فعلوه فى عام 2019، لكن هذا المستوى المرتفع لا يعنى أنهم سينفقون كل ذلك.
وتشير دراسة استقصائية أجراها بنك «يو. بى. إس» على 5000 مستهلك أوروبى، إلى أن المستهلكين الإسبان يخططون لتفاخر أقل من غيرهم، ولا يعتبر هذا الحذر أمراً مفاجئاً بالنظر إلى الحالة المؤسفة لسوق العمل؛ فقد بلغ معدل البطالة فى مارس 15%، أى ثلاثة أضعاف مثيله فى ألمانيا.
وتعتبر قوة استجابة الحكومات المالية بمثابة العامل الثالث الذى يؤثر على الانتعاش، فالخوف من الاختلاف حفَّز بالفعل صندوق التعافى الأوروبى. وهذا الأمر سيؤدى إلى توجيه مزيد من الأموال إلى إيطاليا وإسبانيا، ويمكن أن يعزز النمو هناك بأكثر من ضعف ما هو عليه فى فرنسا وألمانيا، حسب تقديرات وكالة التصنيف الائتمانى «ستاندرد آند بورز».
لكن فى اجتماع عُقد فى يومى 21 و 22 مايو، قام خبراء الاقتصاد من مؤسسة «بروغل» الفكرية بتحذير وزراء المالية الأوروبيين من ضرورة الحاجة للمضى قدماً.
وبالنظر إلى أن العديد من المتنبئين يتوقعون ألا يصل الاتحاد الأوروبى إلى مستوى ما قبل الجائحة حتى عام 2022، يمكن أن تساعد جولة أخرى من التحفيز فى معالجة أوجه عدم المساواة الأخرى التى نشأت أثناء الوباء، مثل الأعباء الإضافية التى يتحملها الشباب والأفراد الأقل تعليماً.
ورغم الدعم المقدم من صندوق التعافى الأوروبى، يشير أحدث توقعات صندوق النقد الدولى إلى أن الاقتصاد الإيطالى سينكمش بنسبة 0.1% بين عامى 2019 و2023، بينما سينمو الاقتصاد الإسبانى بنسبة بسيطة تبلغ 1.9%.
فى غضون ذلك، من المتوقع نمو اقتصادى فرنسا وألمانيا بنسبة 2.9% و3.5% على التوالى.
وبدون تقديم مزيد من الدعم، ستشهد الاقتصادات التى كانت متخلفة عن الركب حتى قبل الوباء تعافياً بطيئاً للغاية.








