فاينانشيال تايمز: التعافى الاقتصادى لا يعنى الرضا التام بالأوضاع الحالية

هذا الصيف، ستتردد عبارة “العشرينيات الهادرة” فى مجالس إدارات الشركات ومجموعات الاستثمار واجتماعات الاستراتيجيات السياسية.

ومع تراجع عمليات الإغلاق التى فرضت للسيطرة على “كوفيد-19″، يزداد التفاؤل الاقتصادى ويفكر المستثمرون والمستشارون فى عقد من الازدهار، وبالتالى إذا حكمنا من خلال المطاعم المزدحمة فى مانهاتن، فيمكننا القول إن الانتعاش أصبح على قدم وساق.

وعلى الرغم من كل هذه الأحاديث الوردية، فإن الأمر يستحق أن يلقى صناع السياسة نظرة هادئة على استبيان مذهل صدر عن مركز “بيو” للأبحاث فى الولايات المتحدة.

ويشير هذا الاستبيان إلى أن عدم الرضا الاقتصادى بالنظر إلى وجود متنفس للوباء، يولد رغبة واسعة فى الإصلاح، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.

وفى أواخر العام الماضى سأل منظمو استطلاعات الرأى فى مركز “بيو” ما يصل إلى 4100 شخص بالغ فى ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة عما إذا كانوا يحبون هيكل اقتصادهم، فربما كنت تعتقد أن تطوير اللقاحات وبالتالى احتمالية الخروج من عمليات الإغلاق الجديدة من شأنه إثارة التفاؤل لدى الأفراد.

وتشير استطلاعات أخرى أجرتها مجموعات مثل مجلس المؤتمر، وهو مؤسسة فكرية للأعمال، إلى أن ثقة المستهلكين ارتفعت أخيراً فى الولايات المتحدة على الأقل.

لكن الأمر ليس كذلك، فقد قال نحو ثلثى المستطلعين فى فرنسا ونصف المستطلعين فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا إنهم يريدون إما إصلاحاً جذرياً واما إصلاحاً كاملاً للهياكل الاقتصادية، فى حين أن أقلية صغيرة فقط – نسبة ضعيفة للغاية عند 3% فى فرنسا – قالت إنها تدعم الوضع الراهن.

وربما يكون هذا الشعور بالاستياء اشتد بسبب الآثار النفسية المؤلمة الناتجة عن عمليات الإغلاق خلال العام الماضى، لكنه سيتبدد فى النهاية.

ومع ذلك، فإن هذا الاستياء يؤدى إلى بعض المطالب اللافتة للنظر، حيث يشير الاستطلاع إلى أن البريطانيين الذين حقق حزبهم المحافظ الحاكم للتو نجاحاً كبيراً فى الانتخابات المحلية أكثر حرصاً من سكان أوروبا القارية على رؤية مستويات أعلى من سيطرة الحكومة وإعادة التوزيع.

وفى الواقع، يؤيد 67% من البريطانيين بقوة مزيدا من تنظيم الأعمال، فى حين أن النسبة 58% فى فرنسا، و53% فى ألمانيا، و46% فى الولايات المتحدة.

ويرغب البريطانيون فى دور أكثر اتساعاً للدولة، حيث يرى 62% من البريطانيين أن دور الحكومة فى بناء مزيد من المساكن العامة هام جدًا، بينما يريد 53% زيادة المنافع للفقراء، وهى معدلات أعلى من الدول الأخرى.

ويريد 50% بالكامل من المستطلعين دخلاً أساسياً شاملاً، وهو أعلى بكثير من أى مكان آخر، ما سيجعل رئيسة الوزراء البريطانية السابقة “مارجريت تاتشر” تتألم فى قبرها.

والآن، مثل جميع استطلاعات الرأى الأخرى يجب فحص هذه النتائج فى سياقها، فحقيقة أن البريطانيين يعبرون عن مستويات أعلى من الدعم للتنظيم الحكومى وإعادة التوزيع مقارنة بالفرنسيين والألمان قد تكون دلالة على حقيقة أن لديهم قدراً أقل من هذا من أقرانهم فى القارة فى العقود الأخيرة.

ومع ذلك، حتى مع مراعاة المحاذير، سيكون من الحماقة تجاهل هذا الاستطلاع، إذا كان نصفهم فقط على حق، فهذا يعنى أنه لا يمكننا افتراض أن أى انتعاش اقتصادى والعودة إلى الوضع الطبيعى سيؤدى تلقائياً إلى اعتناق الناخبين للوضع الراهن.

وعلى العكس من ذلك، من الممكن أن يظهر استطلاع مركز “بيو” تحولاً أكبر فى روح العصر، مدفوعاً جزئياً بالوباء لكن بجذور أعمق، ويمكن أن تعيد تشكيل المواقف السياسية لفترة طويلة.

ويمكن أن يكون أحد أسباب ارتفاع الطلب على التدخل الحكومى هو أن الوباء لم يكشف عن عدم المساواة فقط، بل ذكر الناس بمدى غموض المستقبل،، وهذا الرأى يتوافق تمامًا مع رأى جيمس مانيكا، رئيس معهد “ماكينزى” العالمى، حيث يقول مانيكا: “هناك شعور بعدم المساواة بين الناس والأماكن، لقد انخفض أمن العمل بالنسبة للكثيرين”.

وفى الواقع، يشير استطلاع منفصل أجرته “ماكنزى” على 25 ألف أمريكى إلى أن نصف الأمريكيين أفادوا بأنهم على حافة الهاوية المالية وغير قادرين على تغطية أكثر من شهرين من نفقات المعيشة فى حالة فقدان الوظيفة، كما أفاد المستجيبون الريفيون بأنهم يشعرون بأنهم فى خطر التخلف عن الركب.

ومع ذلك، هناك عامل إيجابى قد يحفز الدعوات المطالبة بالتغيير، وهو التدافع على تطوير وتوزيع اللقاحات الذى لم يظهر فقط أن الحكومات يمكنها فى بعض الأحيان تقديم أشياء جيدة، مثل التعاون مع القطاع الخاص، لكن يمكن للشركات أحياناً العمل معاً أيضاً بدلاً من مجرد التنافس، وقد يؤدى هذا الأمر إلى مزيد من التعاون فى مجالات أخرى، مثل تغير المناخ.

وفى كلتا الحالتين، فإن النقطة الأساسية تدور حول ضرورة عدم النظر إلى البيانات الاقتصادية فقط إذا تخلص العالم من الوباء هذا الصيف، بل ينبغى أيضاً مراقبة ما إذا كان هناك تحول طفيف فى روح العصر.

كما أن العودة إلى الوضع الطبيعى لا تعنى بالضرورة تبنى الأنظمة القديمة، وهذا ما يجب أن تنتبه إليه النخب السياسية والشركات.