%5.6 نسبة نمو يتوقعها البنك الدولى للاقتصاد العالمى خلال العام الجارى
«دويتشه بنك»: %70 مستوى المناعة الذى قد تحققه الهند فى أقل من 9 أشهر
فى سبعينيات القرن الماضى، بدا أن ثروات الاقتصاد العالمى، بكل تنوعه اللامتناهى وتعقيداته غير المفهومة، تتحول إلى منتج واحد، وهو البترول، فقد كانت هذه المدخلات الحيوية، التى تم تصديرها من قبل قليل من الدول، رهينة لقوى سياسية شرسة.
ولكن اليوم، أصبحت الآفاق الاقتصادية فى العالم تعتمد بالمثل على مدخلات أخرى بالغة الأهمية، وهى اللقاحات، التى يتم إنتاجها أيضا بشكل ضيق ودقة سياسية ويتم توزيعها بشكل غير عادل.
هذه اللقاحات واسعة النطاق تساعد الولايات المتحدة الأمريكية على الازدهار، مما دفع التضخم الأساسى إلى أعلى معدلاته منذ عام 1992، لكن التأخير فى شراء الجرعات وصنعها ونشرها ترك العديد من أجزاء العالم عرضة لتفشى فيروسات جديدة ونكسات اقتصادية، وفقاً لمجلة «ذى إيكونوميست» البريطانية.
ويعتقد البنك الدولى أن الاقتصاد العالمى يجب أن ينمو بشكل سريع هذا العام، حيث أوضح فى أحدث توقعات له، والتى صدرت فى يونيو الجارى، أن الاقتصاد العالمى بحاجة للنمو بنسبة %5.6.
ويقول أيهان كوس، من البنك الدولى، إنها «قصة نوعين من التعافى»، حيث تتمتع الدول الغنية، التى قام العديد منها بتلقيح شعوبها بسرعة نسبية، بعصر إيمان ونبع أمل وما إلى ذلك، لكن فى المناطق التى تأخر فيها اللقاح، خاصة أفقر الدول، يبدو أن بعض الاقتصادات تسير فى الاتجاه الآخر مباشرة.
وتظهر الفروق بين النمو الاقتصادى للدول عند إجراء مقارنة بسيطة لمعدلات التطعيم وتوقعات النمو، فمن بين الاقتصادات الكبيرة التى سلط عليها البنك الدولى الضوء، من المتوقع أن تنمو الدول العشرة التى تتمتع بأعلى معدلات للتلقيح بنسبة %5.5 هذا العام فى المتوسط، فى حين أن الدول العشرة ذات معدلات التلقيح الأقل يتوقع نموها بنسبة %2.5 فقط.
ويظهر الانقسام أيضاً فى التوقعات الاقتصادية، فقد تم تعديل النمو الاقتصادى الأمريكى المتوقع لعام 2021 ليصل إلى %6.8، بعد أن كان %3.5، وذلك بفضل وتيرة التطعيم الأمريكية، فضلاً عن حجم التحفيز، كما تمتعت الاقتصادات الناشئة التى تلقت اللقاح أيضاً بشكل أسرع من نظرائها بتحسينات أكبر فى توقعاتها الاقتصادية.
وعلى الجانب الآخر من الانقسام، فإن الصورة متقلبة بشكل أكثر بكثير، ففى أفقر 29 اقتصاداً فى العالم، بما فيهم 23 دولة فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تلقى %0.3 فقط من السكان جرعة واحدة من اللقاح.
ولقد تدهورت آفاق النمو الاقتصادى لهذه المجموعة بالفعل منذ يناير الماضى، حيث بات من المتوقع نمو الناتج المحلى الإجمالى المجمع لها بنسبة %2.9 هذا العام، وليس %3.4 كما كان متوقعا قبل 6 أشهر، ومن المقرر أن يكون هذا الأداء الاقتصادى هو ثانى أسوأ أداء لهم فى العقدين الماضيين، فقد كان أدائهم الأسوأ السابق فى العام الماضى.
ويساعد اللقاح على تحقيق نمو اقتصادى بطريقتين على الأقل، حيث يسمح للدول بتخفيف الإغلاق أو أى قيود أخرى مفروضة على التفاعل الاجتماعى، والتى لا تزال تعوق الاقتصاد، وفى أماكن مثل نيوزيلندا التى رفعت بالفعل مثل هذه التدابير، فإنها تقلل من خطر تفشى المرض فى المستقبل، وتزيد الثقة وتجعل النمو أكثر مرونة.
وقام بنك «جولدمان ساكس» بحساب «مؤشر الإغلاق الفعال» الذى يجمع بين إحصاء تدابير السياسة والبيانات المتعلقة بالتنقل المستمدة من الهواتف المحمول، ليجد أن الصخب الاجتماعى والضجيج قد عاد بالفعل إلى العديد من الدول ذات معدلات التطعيم المرتفعة ومع تسارع وتيرة التلقيح، ستنضم إليهم دول أخرى.
وفى الواقع، فإن الدول التى يرجح أن تحقق تفوقاً فى أدائها الاقتصادى خلال الأشهر القليلة المقبلة، كما أشار «جولدمان ساكس»، هى تلك التى تحرز فى الوقت نفسه تقدماً سريعاً فى تحقيق المناعة، لكنها لا تزال تعمل فى ظل القيود الاجتماعية، فهم لم يشعروا بعد بفائدة تخفيف القيود، لكن سرعان ما سيكون لديهم سبب للقيام بذلك.
وفى هذا النوع من الدول، لا تزال البيانات الاقتصادية المتوفرة فى الوقت المناسب مُحبطة بسبب القيود والمحظورات التى ستنخفض قريباً نظراً لوتيرة التطعيم.
ومع ذلك، فى دول أخرى، مثل تايوان، لم تظهر حالات تفشى جديدة لوباء «كوفيد19-» فى المؤشرات الاقتصادية السائدة، التى لا تزال قوية، وقد أظهر نموذج «التنبؤ الآنى»، التابع لمؤسسة «جيه بى مورجان» المصرفية، الذى يحاول التنبؤ بالوضع الاقتصادى الراهن بناء على استطلاعات وبيانات شهرية، نمو تايوان بوتيرة سنوية تبلغ حوالى 9% فى الربع الثانى، لكن فى الحقيقة تعتقد المؤسسة المصرفية أن اقتصاد تايوان سينكمش خلال تلك الفترة.
وفى منطقة اليورو، سيكون الوضع على النقيض من ذلك، إذ يتوقع «جيه بى مورجان» أن يؤدى التطعيم الواسع النطاق إلى تعزيز النمو الاقتصادى السنوى لهذا الربع السنوى إلى أكثر من %7، فى حين أن نموذج التنبؤ الحالى يتوقع نمواً أقل من %3.
ونظراً لأهمية فجوة اللقاحات العالمية، يجدر بنا أن نتساءل عن مدى سرعة سد مثل هذه الفجوة، ويعتقد بنك «جولدمان ساكس» أن كل من اليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل وتركيا والمكسيك ستحصل على الأقل على جرعة واحدة لما يصل إلى نصف سكانها بحلول أغسطس، فى حين أن جنوب أفريقيا والهند لن تصل إلى هذا المعيار حتى ديسمبر.
ومع ذلك، فى كل تلك الدول، تعافى العديد من الأشخاص بالفعل من الفيروس، مما يمنحهم مستوى معين من المناعة الطبيعية.
ويعتقد مايكل سبنسر، من «دويتشه بنك» أن الهند، على سبيل المثال، يمكن أن تصل إلى مستوى مناعة بنسبة %70 فى أقل من 9 أشهر، وذلك عند حساب كل من أصيب بعدوى سابقة أو حصل على جرعة أولى من اللقاح على الأقل.
وفى العموم، يعتبر الانتعاش غير المتكافئ أفضل من لا شئ، لكن قوة نمو بعض الدول يمكن أن تخلق مشاكل إضافية لأجزاء أخرى من العالم، فعلى سبيل المثال، أدى الازدهار فى الولايات المتحدة إلى ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة %5 فى شهر مايو، مقارنة بالعام السابق، كما أنه يمكن أن يزيد أيضاً من ضغط الأسعار فى أماكن أخرى من العالم.
ويمكن أن يتغذى هذا التضخم على نفسه، مما يجبر البنوك المركزية على الاستجابة، فقد قامت كل من تركيا والبرازيل بتشديد السياسة النقدية فى الأشهر الأخيرة، على الرغم من الألم الاقتصادى المستمر نتيجة تفشى الوباء.
وفى 11 يونيو، رفع البنك المركزى الروسى أسعار الفائدة للمرة الثالثة منذ شهر مارس، كما استشهدت محافظة البنك المركزى الروسى الاقتصادية إلفيرا نابيولينا بمعدلات اللقاح والسياسات النقدية والمالية المتساهلة للغاية فى الاقتصادات الكبرى باعتبارها السبب الرئيسى الكامن خلف ارتفاع معدلات التضخم فى البلاد إلى %6.
وقد أعربت نابيولينا عن قلقها من أن معدلات التضخم المرتفعة فى روسيا وأماكن أخرى قد تثبت أنها أكثر ثباتاً من «المتصور للوهلة الأولى».
وحتى التضخم المؤقت يمكن أن يؤدى إلى زعزعة استقرار الأسواق المالية، مما يجعل المستثمرين يشكون فى التزام الاحتياطى الفيدرالى بالمال السهل، كما يمكن أن يزيد ذلك من علاوة المخاطرة التى تدفعها الأسواق الناشئة على اقتراضها.
ويقول كوس، من البنك الدولى: «لسنا قلقين بالضرورة بشأن التضخم، لكننا قلقون بشأن الكيفية التى يمكن أن تؤدى بها الضغوط التضخمية إلى تعقيد عملية صنع السياسات فى الأسواق الناشئة، خاصة تلك التى لديها مبالغ كبيرة من الديون بالعملات الأجنبية».
ويذكر أن فريق عمل كوس فى البنك الدولى يتوقع ارتفاع التضخم العالمى من %2.5 العام الماضى إلى %3.9 فى عام 2021.
ويخشى صناع السياسة فى هذه الدول تكرار «نوبة الغضب التدريجى» التى نشبت فى عام 2013، عندما أدى حديث البنك الاحتياطى الفيدرالى عن خفض مشترياته من الأصول إلى حدوث ارتفاع مفاجئ فى عائدات السندات الأمريكية وعمليات بيع مؤلمة فى أصول الأسواق الناشئة.
وجدير بالذكر أن العديد من مسئولى الاحتياطى الفيدرالى بدأوا فى التحدث مرة أخرى عن «الخفض التدريجى» لمشتريات الأصول، كما قالت مارى دالى، من البنك الاحتياطى الفيدرالى فى سان فرانسيسكو الشهر الماضى.
وسيظل التضخم العالمى هذا العام بعيداً كل البعد عن المعدلات ذات الأرقام المزدوجة التى تم تسجيلها خلال فترة السبعينيات، التى شهدت ركوداً تضخمياً، لكن مثلما أجبرت أزمة البترول فى ذلك الوقت صناع السياسة على الدخول فى معضلات محرجة، مما أجبرهم على رفع أسعار الفائدة فى مواجهة الضعف الاقتصادى، فإن نقص اللقاحات هذا العام يمكن أن يخلق مستوى انزعاج مشابه بالنسبة لصناع السياسات.
وقد يكون المقابل المادى للحصول غير المتكافئ على اللقاحات هو التقشف المبكر والتشديد النقدى فى بعض المناطق غير المحمية من العالم، كما أن الدول التى تحصل على جرعات متأخرة من اللقاح قد تضطر إلى تسريع وتيرة الحصول على اللقاح قريباً.








