انتهى العالم الذى كانت فيه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى يتمتعان برفاهية الخلاف حول نزاع على دعم شركات الطيران الممتد منذ 17 عاماً، إذ تلوح فى الأفق تهديدات أكبر بكثير تجعل توحيد الجبهة أمراً ضرورياً، سواء كان ذلك جائحة كوفيد – 19، أو تغير المناخ، أو روسيا المزعجة، أو الصين التى تزداد تأكيداً على الذات.
وحال تمكن الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة من الاتفاق على إنهاء الحرب التجارية التى تبدو مستعصية على الحل بشأن الدعم الخاص بكل من «إيرباص»، و«بوينج» هى بداية واعدة، حتى إن كان إنهاء الخلاف التاريخى دائماً أسهل من صياغة أجندة مستقبلية مشتركة، وتعد صفقة الأسبوع الماضى دليلاً قوياً على أن الرئيس، جو بايدن، حريص على إنهاء الحروب التجارية الملتهبة التى أشعلها دونالد ترامب مع الحلفاء.
ورغم أن أصول أطول نزاع تجارى فى العالم قد سبقت رئاسة ترامب، فقد وصلت الأمور إلى ذروتها عام 2019 عندما أصدرت منظمة التجارة العالمية أخيراً حكمها حول كيفية دعم الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبى، قطاعات الطيران الخاصة بهما، ما مكّن كليهما من فرض رسوم جمركية، وألحق ضرراً بمجموعة من المنتجات، من دبس قصب السكر الأمريكى إلى النبيذ الفرنسى.
وكانت مثل هذه الصراعات بمثابة إلهاء عن حل القضايا الأكثر إلحاحاً، ومع أخذ ذلك فى الاعتبار، ينبغى الآن إيلاء اهتمام مماثل لصناعة الصلب والألومنيوم، التى استهدفها ترامب تحت ذريعة الأمن القومى، ما قاد إلى جولة جديدة من الرسوم الانتقامية، ورفعت واشنطن التعريفات عن كندا، التى عانت مصيراً مماثلاً، أما تعريفات الاتحاد الأوروبى فلا تزال باقية.
وبالتالى، فإنَّ التعهد بإنشاء فريق عمل ثنائى على هذه المسألة مرحب به، بالنسبة لشركات صناعة الطائرات أنفسها – وسلاسل التوريد الخاصة بها – من الواضح أن الصفقة هى بمثابة مهلة، وتنهى تحولاً مكلفاً لصناعة تضررت بشدة من الوباء، ولدى كل من بوينج وإيرباص عملاء على جانبى المحيط الأطلسى، وفى الوقت الذى كانت فيه الدعاوى القضائية مستمرة، كانت الصين تميل إلى بطل الطيران الوطنى الخاص بها، «كوماك»، واصطفت شركات الطيران المحلية لتقديم الطلبات الأولية.
وتعد هذه أخباراً سيئة لبوينج وإيرباص على حد سواء، لاعتمادهما بقدر كبير على السوق الصينى، ولا تشكل «كوماك» تهديداً مباشراً حتى الآن لاحتكار «بوينج» و«إيرباص» السوق، ولكنها قد تكون كذلك خلال عقد من الزمن، ومن المنطقى اقتصادياً وتكنولوجياً أن يعمل الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة معاً بدلاً من العمل ضد بعضهما البعض، وفى بيانها حول الصفقة، كانت الولايات المتحدة أكثر وضوحاً بكثير فى رغبتها فى مواجهة طموحات الصين مما كان عليه بيان الاتحاد الأوروبى، وهو ما يعكس ذلك إحجاماً أكبر من جانب الكتلة، كما ترى الولايات المتحدة، عن استفزاز الصين – إحدى نقاط الخلاف المحتملة فى التقارب عبر الأطلسى، وأثار اتفاق استثمار أبرم بين الاتحاد الأوروبى وبكين فى ديسمبر غضب واشنطن بشكل خاص، ورغم تجميد هذه الصفقة، فإنَّ هناك ازدواجية أوسع عبر الاتحاد الأوروبى تجاه الصين.
ولا تزال هناك نقاط خلاف أخرى، بما فى ذلك ما تراه الولايات المتحدة على أنه استهداف غير العادل من قبل الاتحاد الأوروبى لشركات التكنولوجيا الكبرى، ثم هناك جوهر صفقة إيرباص وبوينج نفسها، إذ بقى الكثير لملئه.
من جانب الاتحاد الأوروبى، هناك حذر مفهوم: إحدى موروثات ترامب الأكثر ضرراً هو أنه يمكن تمزيق سنوات من المفاوضات الدقيقة والتعددية بين عشية وضحاها، وبالتالى تم إنشاء منتدى أوسع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، وهو مجلس التجارة والتكنولوجيا، لوضع قواعد جديدة لمجالات بدءاً من سلاسل التوريد إلى أشباه الموصلات.
ولم تتجاوز المنتديات الثنائية السابقة – فى عهد جورج دبليو بوش، على سبيل المثال – مرحلة النقاشات وانتهت إلى لا شىء، لكن هناك دلائل على أن التهديدات الملحة للمصالح المشتركة، الجيوسياسية والاقتصادية، بدأت أخيراً فى التغلب على الخلافات الأقل أهمية.
بقلم: افتتاحية صحيفة «فاينانشيال تايمز»