مثل الملاكم المسن الذى لا يزال فى القمة، ولكنه بدأ يفقد بعضاً من سرعته وقوته، يتم استبدال صناديق الاستثمار المشتركة ببطء ولكن باطراد باختراع أحدث وأكثر جرأة؛ وهو صندوق المؤشرات.
وقبل الخوض فى أسباب ذلك، من المهم أن ندرك ماهية الاختراع الهائل الذى كان عليه صندوق الاستثمار المشترك المفتوح – والذى يمكن القول إنه من أعظم الاختراعات فى التاريخ المالى سواء تم تصنيفه حسب النجاح أو طول العمر أو المنفعة الاجتماعية – وعلى الصعيد العالمى، هناك أكثر من 70 ألف صندوق استثمار مشترك بأصول مجمعة تقارب 40 تريليون دولار، وفقاً لـ«مورنينج ستار».
وربما تمتلك قطاعات الاستثمار المباشر وصناديق التحوط مجتمعة خُمس ذلك، مع تأثير اجتماعى أكثر إثارة للجدل، ورغم عقد النمو الهائل، لا يزال هناك 9 تريليونات دولار فقط فى صناديق المؤشرات على مستوى العالم، ومع ذلك، فإنَّ حقبة صناديق المؤشرات آخذة فى الظهور، وجاءت أحدث علامة على ذلك الأسبوع الماضى، عندما قالت «جى بى مورجان أسيت ماندجمنت» إنها ستحول أربعة صناديق مشتركة مدارة بنشاط بأصول بقيمة 10 مليارات دولار إلى صناديق مؤشرات.
وفى النصف الأول من العام، تم إطلاق 109 صناديق استثمار مشتركة جديدة فى الولايات المتحدة، ولكن تم إصدار 199 صندوق مؤشرات، وفقاً لـ«مورنينج ستار»، وحالياً، حتى «كابيتال جروب»، التى كانت معادية لفكرة صناديق الاستثمار المتداولة، تخطط لدخول هذا المجال، فلماذا هذا التحول؟
فى الولايات المتحدة، تعد الكفاءة الضريبية أحد الأسباب الرئيسية.
وعلى عكس الصناديق المشتركة، فإنَّ هيكل صناديق المؤشرات يعنى أن المستثمرين عادة لا يضطرون إلى دفع ضريبة أرباح رأسمالية إلا بعد البيع بالفعل، وأصبحت صناديق المؤشرات المتداولة الآن ظاهرة عالمية، وأحد الأسباب هى قابلية تداول صناديق المؤشرات ما يجعل التوزيع أكثر بساطة، ويمكن لأى شخص شراء وثائق صناديق المؤشرات المدرجة فى أى بورصة رئيسية ودون دفع عمولة فى كثير من الأحيان.
لكن الميزة الأكبر هى مرونتها، وبسبب طبيعتها كمتتبع مؤشر، ترتبط صناديق المؤشرات على نطاق واسع باستراتيجيات الاستثمار الخامل والرخيص، وتوجد الغالبية العظمى من أصول القطاع البالغة 9 تريليونات دولار بالفعل فى مثل هذه الهياكل، ومع ذلك، فإنَّ هذا يحجب حقيقة أن صناديق المؤشرات قد تطورت إلى أكثر بكثير من مجرد كونها صندوقاً خاملاً من الجيل التالى.
وفى الواقع، صناديق المؤشرات عبارة عن غلاف قابل للتكيف مع جميع أنواع استراتيجيات الاستثمار، وقادرة على تقسيم أى سوق تقريباً إلى مكعبات مخاطر قابلة للتداول تشبه «ليجو»، سواء كانت أسهماً صينية خارجية أو قروضاً مصرفية أو تقلبات سوق الأسهم أو ائتمانات الكربون.
وفى الوقت الحاضر، يمكن وضع كل شىء تقريباً فى هيكل صناديق مؤشرات، بدءاً من استراتيجيات اختيار أسهم النمو المفرط مثل تلك المطبقة فى صناديق «كاثى وود» فى «آرك إنفستمنت».
ولم يقتنع الجميع باستمرارية ومرونة هيكل صناديق المؤشرات، أو سعداء بصعوده، حتى جاك بوغل كان متشككاً، وقبل وفاته بفترة وجيزة، كتب مؤسس «فانجارد» أنه بينما كان يطلق على صناديق المؤشرات بلا تردد «فكرة التسويق المالى الأكثر نجاحاً فى القرن الحادى والعشرين»، فقد أشار إلى أنه «يبقى أن نرى إذا كانت ستثبت أنها أنجح فكرة استثمارية فى القرن أم لا».
وعلاوة على ذلك، صمد هيكل صناديق المؤشرات جيداً فى بوتقة الأزمة المالية العالمية وانهيار السوق جراء «كوفيد 19»، لكن كل أزمة مختلفة تماماً، ويمكن أن تكشف الأزمة التالية عن خطوط صدع خفية.
ومع ذلك، فى مرحلة ما، يحتاج النقاد إلى التوقف عن إلقاء اللوم على الغلاف فى كل ما يزعج الأسواق، وبدلاً من ذلك يوجهون أصابع الاتهام إلى الأشخاص الذين يضعون أشياء غبية أو خطيرة بداخله، أو يستثمرون دون فهم ما يشترونه.
ولا أحد يلوم الصناديق المشتركة بشكل كبير على كل نوبة حماقة تصيب المستثمرين، ولن يسير الصندوق المشترك فى طريق الزوال فى أى وقت قريب، ولكن من المحتمل أن ينتمى عصر الاستثمار التالى إلى صناديق المؤشرات.
بقلم: روبن ويجلوورث، محرر مالى فى صحيفة «فاينانشيال تايمز»
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»







