الأمر الذى لا مفر منه ليس بالضرورة هو الأفضل.. وتهدد العملات المشفرة وشركات التكنولوجيا المالية بتحويل المدفوعات والودائع والقروض من القطاع المصرفى إلى شبكات غير خاضعة للإشراف.
يجادل مؤيدو العملات الرقمية المدعومة من البنوك المركزية بأنهم سيعززون الشمول المالى من خلال تمكين الجميع من الحصول على حساب مصرفى.
ظهور العملات الرقمية المدعومة من البنوك المركزية أمر لا مفر منه، ويجرى البحث فى جميع أنحاء العالم حول تصميم وتطبيق تلك العملات، ودخلت الصين عامها السابع فى هذه العملية ولديها برامج تجريبية لليوان الرقمى، ويستهدف البنك المركزى الأوروبى استحداث واحدة بحلول عام 2025.
ومع ذلك، يتحرك بنك إنجلترا والاحتياطى الفيدرالى بشكل أبطأ، وأعتقد أنهما على حق، فالذى لا مفر منه ليس بالضرورة هو الأفضل، لقد تغير النظام المالى العالمى على مدار الـ15 عاماً الماضية، وتهدد العملات المشفرة وشركات التكنولوجيا المالية بتحويل المدفوعات والودائع والقروض من القطاع المصرفى إلى شبكات غير خاضعة للإشراف.
وقد يؤدى هذا إلى خلق عالم تمويل دولى متوحش، ما يهدد استقرار القطاع ويقوض قدرات البنوك المركزية على تحقيق مهامها، ويقول أنصار العملات الرقمية للبنوك المركزية إنَّ الطريقة الدفاعية الوحيدة هى أن يحتفظ صانعو السياسة بالسيطرة النهائية على المعاملات المالية.
ومع عملات البنوك المركزية الرقمية، يمكن للشركات والأفراد امتلاك حسابات مباشرة مع البنك المركزي، وفى حين أن ذلك يمكن أن يوفر الكفاءة، لكنه سينهى دور البنوك فى الوساطة المالية، ويتمثل جوهر نماذج الأعمال المصرفية فى الاستفادة من الودائع لتقديم القروض وتحصيل الرسوم.
مع عملات البنوك المركزية الرقمية، يمكن للشركات والأفراد امتلاك حسابات مباشرة مع البنك المركزى.
ودون قاعدة ودائع مستقرة، ستنهار هذه الممارسة ومعها أرباح البنوك، وسيتم تقديم قروض أقل، ما يمثل عبئاً على النمو الإجمالى، وللتعويض عن الرسوم المفقودة، قد تفرض البنوك رسوماً أكبر على خدمات الدفع والحسابات، وهو أمر يحول دون تحقيق نظام مالى أرخص وأكثر شمولاً.
ومن الناحية السياسية، سيكون من الصعب جداً على البنك المركزى التدخل لسد فجوة الإقراض من خلال تولى دور مُخصِص الائتمان، وسيتطلب ذلك أيضاً من البنك المركزى تولى مهام تشغيلية جديدة مثل مخاطر الائتمان وتحليل معرفة عميلك، لكن الأمر الأكثر ترجيحاً هو تصميم نظام بحيث يحتفظ العملاء بحسابات من العملات الرقمية المدعومة بالبنك المركزى فى بنك أو وسيط آخر، والذى سيوفر الخدمات.
وهذا أمر يطرح تحدياته الخاصة؛ نظراً إلى أن العملات الرقمية مدعومة من البنك المركزى فهى أكثر أماناً، وفى حالة حدوث أزمة، قد يؤدى ذلك إلى تكالب العملاء على البنوك عن النقدية، وحتى إذا كانت البنوك التجارية تقدم سعر فائدة أعلى للمدخرين من تلك الموجودة فى عملات البنوك المركزية الرقمية، فمن المحتمل ألا تكون فعالة فى رحلة الهروب إلى الملاذات الآمنة، ومن شأن القيود المفروضة على ممتلكات العملات الرقمية المدعومة من البنوك المركزية أن تترك ثغرات للعملات المشفرة غير المنظمة ويمكن أن تقوض القدرة التنافسية لعملات البنوك المركزية الأخرى.
يجادل مؤيدو العملات الرقمية المدعومة من البنوك المركزية بأنهم سيعززون الشمول المالى من خلال تمكين الجميع من الحصول على حساب مصرفى، وهذا يتجاهل مشكلة الأشخاص غير المتصلين بالإنترنت، لكن الخصوصية هى أيضاً مصدر قلق.
هل يريد العملاء حتى وكالة شبه حكومية تعرف تفاصيل إنفاقهم؟ سيسمح النظام المستند إلى الرمز المميز، الذى يشبه المصادقة على النقد بدلاً من المالك، باستخدام العملاء للعملات الرقمية المركزية بشكل مجهول، قد يجذب هذا 23% من سكان الولايات المتحدة الذين لا يتعاملون مع البنوك والذين يفيدون بأنهم لا يثقون فى البنوك ويريدون الخصوصية.
فى غضون ذلك، تعمل البنوك المركزية على معالجة مخاوف سرعة التسوية من خلال تطوير أنظمة الدفع الفوري، وإذا كانت عملات البنوك المركزية الرقمية قابلة للتشغيل البينى، فقد تجعل المدفوعات عبر الحدود أسرع وأرخص، لكن هذا سيتطلب من البنوك المركزية إنشاء ممرات ذات هيكل وحوكمة متفق عليهما، فى عالم به 200 عملة، سيتطلب هذا عدداً غير قابل للتطبيق من الترتيبات الثنائية.
إن جهود مكافحة غسيل الأموال التى أبطأت محاولات تحديث نظام المدفوعات عبر الحدود ستستمر حتى مع تطبيق عملات البنوك المركزية الرقمية، وينبغى تحديث النظام المالى الدولى ليتماشى مع العصر الرقمي، وستتولى البنوك المركزية زمام المبادرة، وتمتلك دفاتر الأستاذ الموزعة والتكنولوجيات الأخرى القدرة على جعل المدفوعات والفواتير أكثر كفاءة.
لكن تصميم العملات الرقمية المدعومة من البنوك المركزية أمر بالغ الأهمية، ومجرد افتراض أنه «إذا كان رقميا، فلا بد أن يكون أفضل» هو أمر مفرط فى التبسيط، وهذه حالة تكون فيها السرعة أمراً ليس جوهرياً، ومن الحكمة أن يتقدم الاحتياطى الفيدرالى وبنك إنجلترا بحذر لإتمام الأمر بشكل صحيح.
بقلم: ميغان غرين، تكتب مقالات رأى بشأن الاقتصاد لصحيفة فاينانشيال تايمز، وهى زميلة أولى فى مركز مصفر رحمانى للأعمال والحكومة، كلية هارفارد كينيدى.
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز».