فى وقت سابق من هذا الأسبوع، أخبر سوبر ماركت «أوكادو» عبر الإنترنت فى بريطانيا، عملائه أن لديه «قدرة محدودة» على توصيل الآيس كريم لهم، لماذا؟ لأن سعر الغاز الطبيعى قد ارتفع، وقد تسبب ذلك فى إغلاق اثنين من أكبر مصانع الأسمدة الصناعية فى بريطانيا، نظرا لأن الغاز الطبيعى هو المادة الأولية للأمونيا، والتى تستخدم فى صناعة الأسمدة.
ونظرا لأن ثانى أكسيد الكربون يتم التقاطه من إنتاج الأمونيا، فقد أثر ذلك على إمدادات ثانى أكسيد الكربون فى بريطانيا، وقد أدى ذلك إلى خفض إمدادات الثلج الجاف الذى تستخدمه المتاجر الكبرى للحفاظ على برودة الطعام فى شاحنات التوصيل الخاصة بهم، لذلك لا يوجد آيس كريم.
يمكننا العيش دون الآيس كريم.. لكن ماذا عن التأثيرات الأخرى؟
تفتقر المسالخ إلى الغاز الذى تحتاجه لصعق الحيوانات، وقد لا تمتلك المستشفيات ثانى أكسيد الكربون الذى تحتاجه لإجراء العمليات الجراحية البسيطة، كما أن الصناعة النووية تفتقر للغاز الذى تحتاجه للتبريد.
هذه الأشياء مهمة حقا، وتم حل هذه الأزمة الصغيرة بسرعة كبيرة، فى الوقت الحالى على الأقل: يتدخل دافع الضرائب لدعم مصنع للأسمدة لمدة ثلاثة أسابيع، لكن هذا لا يعنى أنه لا داعى للقلق، بل يجب علينا، وهذه الحادث بمثابة تذكير فى الوقت المناسب لمدى اعتمادنا على الوقود الأحفورى.
ورغم حماسنا المتفائل لطاقة الرياح والطاقة الشمسية ، فإن استخدام النفط والغاز بطريقة أو بأخرى متجسد فى كل جزء من حياتنا الاقتصادية والاجتماعية، سيكون هذا هو الحال لعدة عقود قادمة، فى كتابه الذى تم تحديثه مؤخرًا «لا يوجد كوكب آخر»، يحدد مايك بيرنرز لى التحدى (وربما عن غير قصد، الافتقار إلى حل متوسط المدى)، وعندما نتحدث عن التحول من الوقود الأحفورى إلى الطاقة النظيفة من نوع أو آخر، فإننا لا نناقش أخذ كمية الطاقة التى نستخدمها الآن وإنتاج هذه الكمية الثابتة بطريقة مختلفة.
وبدلا من ذلك، هدفنا دائما فى حالة حركة، كلما زادت الطاقة التى يمكننا الحصول عليها، زاد استخدامنا – حتى لو أصبح استخدامنا لها أكثر كفاءة، ونحن نستخدم ثلاثة أضعاف الطاقة التى استخدمناها قبل 50 عامًا وبمعدلات النمو الحالية، فإن الاستخدام سيتضاعف قريبًا مرة أخرى.
وإذا نظرنا للأمر من منظور الألواح الشمسية، فى الوقت الحالى، كما يقول بيرنرز لى، إذا تمكنا من اكتشاف كيفية التخزين والنقل (وهو ما لم نتمكن من الوصول إليه حتى الآن)، فيمكننا تلبية جميع احتياجاتنا العالمية من الطاقة من خلال تغطية %0.1 من أراضى العالم بالألواح الشمسية، وإذا استمر توسع استخدامنا للطاقة بنسبة %2.4 سنويا (متوسط 10 سنوات هو %1.5 لكن فى عام 2018 كان %2.9) وفى غضون 300 عام سنحتاج إلى كل بوصة من كتلة الأرض الموجودة فى كل بلد فى العالم.
من ناحية، هذه طريقة سخيفة للنظر للأمر، فنحن نعيش فى عصر مذهل من الابتكار والألواح التى نستخدمها اليوم ستبدو بالتأكيد قديمة بشكل مذهل خلال عقد أو عقدين، المسالخ وغيرها يمكن أن تجد حلاً آخر بدلاً من الغاز، لكن النقطة الهامة هى أن استخدام الطاقة سيواصل الارتفاع بقيادة الصين والولايات المتحدة والهند بينما تميل تحولات الطاقة إلى أن تستغرق وقتا طويلا جدا ولا تنتهى أبدا.
نحن فقط نكدس المصادر الجديدة فوق القديمة، ولايزال العالم يستخدم نفس القدر من الكتلة الحيوية التقليدية (الخشب، إلخ)، كما كان يستخدم قبل 100 عام، وحتى بعد سنوات عديدة من الجهود، لايزال الفحم والنفط والغاز يشكلون %80 من مزيج الطاقة العالمى، وهو تقريباً الرقم نفسه الذى كان عليه قبل عقد من الزمان، نحن نركض وبالأخير نقف بلا حراك، وهذا سيتغير، لكن ليس بالسرعة التى قد تعتقدها.
فى عام 2019، تمت تلبية %33 من احتياجاتنا الجديدة لتوليد الطاقة من خلال الطاقة المتجددة، هذه بداية جيدة، لكن %40 تمت تلبيتها بالغاز الطبيعى.
ثمة ضرورة ملحة هنا بالطبع – مما قد يؤدى إلى تسريع الأمور، لكن هناك شيء آخر قد يبطئنا إذ لا يتطلب الأمر الكثير لدفع الناس إلى استخدام الوقود الأحفورى، فهى سهلة الاستخراج نسبيا، كما يسهل نقلها نسبيا، وهى كثيفة بالطاقة للغاية وفعالة، ورخيصة بالطبع.
وقبل أن نفهم تأثيراتها الخارجية، من كان يمكن أن يعترض؟ إن تحولنا الحالى مختلف: الناس والشركات سيتحولون ليس لأن الوصول إلى المصادر الجديدة أسهل أو أرخص أو أكثر كثافة بالطاقة، ولكن لأن اللوائح تفرض عليهم ذلك، وفى كلتا الحالتين، الحقيقة هى أنه سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن تحول الطاقة لدينا ينطوى على اعتماد طويل المدى على الوقود الأحفورى.
هذا يعنى أننا يجب أن نتوقف عن تشويه سمعتهم، ومدح معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات التبشير، واتباع الاتجاه المتمثل فى سحب الاستثمارات من أسهم شركات النفط، وكتابة مشاريع قوانين جديد، ورفع تكاليف التمويل (العديد من البنوك تنسحب من القطاع) وما شابه ذلك.
بدلا من ذلك، يجب أن نركز على جعل استخراجها أنظف وأكثر كفاءة بينما ننتظر حل التحديات الهندسية حول مستقبل تقوده مصادر الطاقة المتجددة، وإذا لم نفعل ذلك – إذا سمحنا لأنفسنا أن تنخدع بفكرة أن الطاقة الشمسية متطورة جدا لدرجة أننا لم نعد بحاجة إلى الوقود القذر للحصول على الآيس كريم، فسنجد أن المستقبل يعوقه طاقة باهظة الثمن بلا داع – وبالتأكيد خالى من الآيس كريم تقريبا.