بعض الأزمات تسبقها إنذارات كثيرة، فقبل أكثر من ثلاثة أشهر من اندلاع المشاجرات فى ساحات محطات الوقود البريطانية وظهور صور أرفف السوبر ماركت الفارغة على الصفحات الأولى من الصحف، التقى المسئولون التنفيذيون فى قطاع الصناعة، وزراء الحكومة للتحذير من أزمة سلسلة الإمداد.
حضر المسئولون التنفيذيون اجتماع يونيو بقائمة من الإصلاحات المحتملة، مثل التأشيرات المؤقتة اللازمة لتوظيف سائقى الشاحنات الثقيلة فى الخارج، وإجراء اختبارات كوفيد- 19 للسائقين وساعات العمل الممتدة لهم وحملة حكومية لحث حاملى تراخيص قيادة الشاحنات الثقيلة على العودة إلى العمل خلف عجلة القيادة.
لم يوافق الوزراء بشكل نهائى على هذه المقترحات إلا منتصف الأسبوع الماضى، أى بعد مرور أكثر من شهرين على الاجتماع الذى عُقد فى 16 يونيو، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وتم إصدار حوالى 10500 تأشيرة مؤقتة للسائقين وعمال مزارع الدواجن، ووقعت السياسية المحافظة البريطانية شارلوت فير، بنفسها خطاباً أرسل إلى مليون من سائقى الشاحنات الثقيلة الأسبوع الماضى تطلب منهم خلاله العودة إلى الطريق.
فى الوقت نفسه، نمت المخاوف من أزمة تكاليف المعيشة، مع انتهاء الدعم المؤقت المقدم للأسر الفقيرة من أجل التغلب على تداعيات الوباء، واتجاه التضخم نحو 4% ونهاية مخططات الإجازة مدفوعة الأجر، فضلاً عن أن الارتفاع فى أسعار الضرائب والطاقة يلوح فى الأفق فى الربيع.
ويتوقع الاقتصاديون عودة محتملة للركود التضخمى، إذ تعمل صدمات العرض على إعاقة النمو مع ارتفاع الأسعار.
الضغوط الموسمية
مع ذلك، لا يزال الوزراء متفائلين بأن صدمات العرض مؤقتة وأن التضخم سيمر سريعاً، فضلاً عن أنه يُنظر إلى ارتفاع الأجور وسوق العمل المزدهر فى وزارة الخزانة على أنهما عوازل أفضل فى مواجهة شتاء اقتصادى بارد أكثر من كونهما رفاهية.
وبينما أقر جونسون بتيسير مؤقت لقواعد الهجرة بالنسبة لخمسة آلاف سائق شاحنة إضافية حتى عيد الميلاد، لا يزال الوزراء يشكون فى رغبة بعض أرباب العمل فى استغلال الأزمة للعودة إلى الإمداد الرخيص للسائقين فى الخارج بدلاً من تدريب عمالهم.
يقول أحد أعضاء إدارة جونسون: «لا أعتقد أنه سيكون هناك الكثير من المخاطر فى وقت عيد الميلاد، فهذه فترة انتقالية نمر بها. تم التصويت على نموذج الهجرة منخفض المهارات ومرتفع الأجور بشكل أساسى فى تصويت الخروج من الاتحاد الأوروبي».
هذا التفاؤل غير منتشر وسط الصناعة، إذ يقول خبراء اللوجستيات إنَّ الرضا عن النفس فى قصر وايتهول بين كل من السياسيين والمسئولين مبنى على فشل أساسى فى فهم مدى عمق المشاكل والمدة اللازمة لإصلاحها.
يواصل الوباء تدمير سلاسل الإمداد العالمية، ما يؤدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن ومضاعفة أوقات التسليم، مع استمرار تأثير الأزمة فى الاقتصاد البريطانى.
الآن، وصلت معدلات الشحن من آسيا إلى المملكة المتحدة إلى 14 ضعف مستويات ما قبل الجائحة، لتبلغ 18 ألف دولار لكل حاوية، بحسب محللى الصناعة فى «ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس»، بينما تضاعفت أوقات العبور من 35 يوماً إلى 70 يوماً، ما تسبب فى قيام الشركات بالشحن فى وقت مبكر وبالتالى خلق ضغوطات إضافية على النظام.
كما أن العديد من المستودعات ومراكز التوزيع الداخلية ممتلئة بالفعل، ما تسبب فى ظهور تراكمات متأخرة فى الموانئ البريطانية التى كانت ممتلئة أيضاً بشكل كبير، حسبما ذكر آلان ويليامز، رئيس شركة «ديفيز تيرنر»، وهى أحد أكبر وكلاء الشحن المستقلين بالمملكة المتحدة.
يذكر أن تقديم الحكومة تأشيرات دخول للسائقين وعمال الدواجن لن يوفر الراحة اللازمة فى الوقت المناسب لسلاسل الإمداد المتعلقة بعيد الميلاد، بحسب المؤسسات الصناعية.
يقول ديفيد جينكز، رئيس أبحاث المستهلك فى شركة «بارسل هيرو» (ParcelHero)، إن سلسلة الإمداد البريطانية «مليئة بالثغرات» الآن، وإذا لم تجعل الحكومة الحزمة المقدمة لسائقى الاتحاد الأوروبى أكثر جاذبية بشكل كبير، فإن النقص فى عيد الميلاد أصبح أمراً مؤكدً الآن.
ورغم أن طرح اللقاح مكن البلاد من السيطرة على كوفيد بشكل كبير، فإنَّ مخاطر عودة ظهور الوباء خلال موسم الاحتفالات بعيد الميلاد، بجانب ظهور فيروسات موسمية أخرى مثل الأنفلونزا وفيروسات الجهاز التنفسى الأخرى، قد تجبر جونسون على التفكير فى إعادة فرض بعض القيود.
فى الوقت نفسه، تتمثل المشكلة الأكثر إلحاحاً فى مخاطر النقص الحاد فى الغاز الشتوى الناجم عن مزيج من انخفاض الإنتاج فى أوروبا وانخفاض واردات الغاز من روسيا واستنفاد مرافق التخزين فى الاتحاد الأوروبى التى تعمل بنسبة 17% أقل من متوسط خمسة أعوام، والأسعار التى تزيد على خمسة أضعاف متوسط الثلاثة أعوام.
وفى حين أن جونسون لا يزال مصمماً على المضى قدماً والقضاء على هذه الأزمات، يقول أليستر كامبل، الرئيس الإعلامى لتونى بلير فى وقت أزمة الوقود الأخيرة فى بريطانيا عام 2000، إن الخطر الذى يواجه جونسون هو أن أجندته غارقة ببساطة فى سلسلة من الأزمات المستمرة خلال الخريف، فى ظل معاناة قطاعات مختلفة من نقص الموظفين وتعطل سلسلة الإمداد فى جميع المجالات.
وأشار إلى أن الناس على استعداد لمنح الحكومة قدراً كبيراً من الحرية، لكن بشرط اقتناعهم أن الحكومة تحاول العبور للمكان الصحيح.








