4.8% خسائر المستثمرين فى الديون المقومة بالعملات المحلية و0.3% عائداً على «الدولار»
بالرغم من نظرة البعض فى كثير من الأحيان إلى سندات الأسواق الناشئة باعتبارها لعبة قوية فى عالم الاستثمار بالدخل الثابت، فإنَّ آخرين يرون أن هذا المجال برمته يعتمد بشكل كبير على المعنويات المتقلبة.
فى بداية عام 2021، عادت فئة الأصول هذه إلى رواجها بعد بضعة أشهر فقط من بقائها فى الحضيض خلال الربع الثانى من 2020، عندما حطمت التدفقات الخارجة الأرقام القياسية فى خضم بداية التفشى العالمى لوباء كورونا. ثم عاد المستثمرون مرة أخرى بشكل جماعى، إذ كانت الآمال تتزايد فى الانتشار السريع للقاحات، وكان يُنظر إلى فوز جو بايدن بمنصب رئيس الولايات المتحدة على أنه حدث إيجابى للعولمة والتجارة العابرة للحدود، وفقاً لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
وفى الوقت نفسه، كانت السياسة النقدية المتساهلة بشكل غير عادى فى العالم المتقدم تعنى «تزاحم فى الأسواق الناشئة»، حسبما قال جوناثان فورتون، الاقتصادى فى معهد التمويل الدولى.
سارعت حكومات الأسواق الناشئة للاستفادة من هذه الوضع عبر موجة من إصدارات السندات، التى لا تزال تثير موجة من التدفقات الأعلى، لكن، كما هى الحال غالباً فى الدول النامية التى تعانى فوضى واضطرابات، لا يمكن أن تدوم الأوقات الجيدة.
يقول مدير محفظة أسواق الدين الناشئة فى شركة «فيديليتى إنترناشونال»، بول جرير، إنَّ أوضاع الأسواق الناشئة كانت أكثر تحدياً من المتوقع فى عام 2021.
فخلال الأشهر التسعة الماضية، ولأسباب مختلفة، كان من المعتقد أن السوق يضعف رغم النغمة الإيجابية المتفائلة التى كان يصدرها خلال أعياد الميلاد.
حتى الآن هذا العام، حققت السندات الحكومية المقومة بالعملة الأجنبية فى الأسواق الناشئة عائدات إجمالية تبلغ 0.3% فقط، والأسوأ من ذلك أن المستثمرين فى الديون السيادية المقومة بالعملة المحلية خسروا 4.8%؛ بسبب ضعف عملاتهم مقابل الدولار.
أما النقطة الإيجابية فكانت العائد البالغ 2.2% الذى حققته سندات الشركات المقومة بالعملات الأجنبية مثل الدولار واليورو.
يشير جرير، بأصابع الاتهام إلى سيطرة الديمقراطيين الأمريكيين غير المتوقعة على مجلسى الكونجرس، ما فتح الباب أمام مستويات غير مسبوقة من التحفيز المالى فى عهد بايدن، وزيادة أسعار الفائدة، وتعزيز الدولار.
ويقول: «منذ سباق مجلس الشيوخ فى جورجيا الذى منح الديمقراطيين السيطرة، بدأت عوائد سندات الخزانة فى الارتفاع، ومنذ ذلك الحين، تخلصنا من المخاطر، لكننا أصبحنا الآن أقل تفاؤلاً بكثير بشأن الأسواق الناشئة». و
ساهمت عوامل أخرى فى ارتفاع مستوى الكآبة، إذ يشير مدير صندوق الأسواق الناشئة فى «إم آند جى إنفيستمنتس»، جريجورى سميث، إلى «متحور دلتا» الذى يجعل الوباء «أكثر شراسة» فى دول مثل الهند وإندونيسيا، بينما «أولئك الذين يطبقون نهج صفر كوفيد مثل الصين ناضلوا حقاً للتصدى لتفشى الوباء».
يقول فورتون، من معهد التمويل الدولى: «النمو مهم.. فقد بدأنا تحقيق نمو أضعف فى الأسواق الناشئة بسبب متحور دلتا وأيضاً بسبب ضعف الطلب الداخلى الناتج عن نقص الحيز المالى الذى يمكن أن تتمتع به دول عدة فى المستقبل، بالإضافة إلى نقص اللقاحات».
ويضيف “جرير”، أن «الأسواق الناشئة تتمتع بنمو أعلى من الأسواق المتقدمة، ولهذا السبب يستثمر الكثيرون فى فئة الأصول هذه، لكن يبدو أننا وصلنا إلى ذروة النمو العالمى الآن».
كذلك، فهو يجادل بأن بكين «تحد من الأولوية الخاصة بالنمو، مع تأرجح البندول نحو إدارة الظروف المالية والحصافة المالية»، إضافة إلى معالجة عدم المساواة.
وأشار إلى أن الصين تعد أيضاً «محرك النمو» للعديد من الأسواق الناشئة الأخرى من خلال طلبها على سلعها الأساسية، معرباً عن خوفه من أن يؤدى ضعف النمو فى الصين إلى ضعف العملات فى العالم النامى بأسره.
يدرك المستثمرون ذلك، فقد تحولت التدفقات العابرة للحدود إلى ديون الأسواق الناشئة غير الصينية إلى سلبية للمرة الأولى منذ عام فى أغسطس، بحسب معهد التمويل الدولى.
وفى حين أن الصين كانت لا تزال تجتذب الأموال آنذاك، تحولت التدفقات الأسبوعية إلى الأسهم الصينية إلى سلبية فى منتصف سبتمبر، ما قد ينذر بضعف الطلب على الدخل الثابت أيضاً.
لا يزال جرير يسعى لإيجاد أسباب أخرى تدعو مراقبى السندات فى هذه الفئة للاختباء خلف آرائكهم.
فبينما يتعثر النمو العالمى، يستمر الخوف من التضخم فى الظهور، ما قد يؤدى إلى تشديد السياسات النقدية ورياح عكسية للأصول عالية المخاطر.
والجانب المشرق فى هذا الأمر، أن جرير يلاحظ وضع العوائد «الأعلى بكثير» مما كانت عليه فى الأسواق المتقدمة، وهو عامل مهم فى «عالم متعطش للدخل»، بينما حققت بعض الجيوب فى القطاع مثل روسيا وزامبيا والإكوادور أداء جيداً بشكل مذهل هذا العام.
علاوة على ذلك، تقترض الأسواق الناشئة بشكل متزايد بعملاتها الخاصة، وهو ما يحد من مخاطر صرف العملات الأجنبية.
كما أن الحسابات الجارية فى حال أفضل الآن مما كانت عليه خلال «نوبة الغضب التدريجى» فى 2013، التى أدت إلى عمليات بيع واسعة النطاق فى فئة الأصول.