مع تعذر وصول عشرات الملايين من المواطنين الهنود الأشد فقرا إلى الحلول الرقمية التي تطبقها الحكومة الهندية على نطاق واسع، بسبب الجهل أو الفقر أو الافتقار إلى الخدمات الرئيسية المطلوبة، أصبحت هناك مخاوف متزايدة بأن تضيف هذه الخدمات إلى أعباء هؤلاء المواطنين وأن يتم تركهم خلف الركب.
وذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية أن الهند تمتلك حاليا برنامج تحديد الهوية الأكثر تطورا في العالم، ويطلق عليه اسم Aadhaar، وهو رقم هوية فريد مكون من 12 رقما يمكن الحصول عليه طواعية بناء على البيانات الديموغرافية، وبات يستخدم حاليا على نطاق واسع في مختلف الخدمات الحكومية.
ويغطي البرنامج حاليا جميع سكان الهند باستثناء جزء صغير من السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، ونظرا للنطاق والتعقيد الهائل في الهند، لجأت حكوماتها المتعاقبة بشكل متزايد إلى حلول عالية التقنية لجميع أنواع المشاكل وبشكل عام، خففت هذه الحلول الأعباء عن كاهل الحكام والمحكومين، بالرغم من بعض الثغرات المتوقعة.
ودفعت البنية التحتية الإدارية لبرامج مثل Aadhaar إلى تيسير المدفوعات الرقمية والتسوق عبر الإنترنت والتعليم عبر الإنترنت، ومع ذلك، وبسبب حجم الهند وفقرها على وجه التحديد، ما يزال عشرات الملايين مهملين لأنهم فقراء، أو أميون، أو معاقون، أو يفتقرون إلى الكهرباء، أو لا يمتلكون هاتفا ذكيا أو لا يمكنهم الاتصال بشبكة هاتف محمول أو شبكة “واي فاي”.
وساقت المجلة البريطانية مثالا لسيدة تدعى “رينا ديفي”، وهي أم لطفلين صغيرين في بيهار، أفقر ولاية في الهند. فبعد وفاة زوجها العام الماضي، كان من المفترض أن تحصل على معاش أرملة وبرامج وظائف من بين أمور أخرى، ولكن نظرا لأنها فقدت بطاقة Aadhaar الخاصة بها، فقد فقدت معها إمكانية الوصول إلى مختلف المزايا، ومع عدم وجود هاتف محمول، أو عنوان بريدي مسجل أو سجل لتاريخ ميلادها، لم تتمكن ديفي من استرداد رقمها الفريد المكون من 12 رقما، واستغرق الأمر أربعة أشهر من المحاولات والجهد الإضافي من مسؤولين لتتمكن ديفي من الحصول على بطاقة جديدة.
ورغم أن ديفي كانت محظوظة للحصول على المساعدة، إلا أنه في بعض الحالات المأساوية، يموت جوعا من يفقد إمكانية الحصول على الغذاء المدعوم بسبب عدم تمكنهم من ربط بطاقاتهم التموينية القديمة ببطاقات البرنامج الجديد، أو لأن قارئات بصمات الأصابع في البلدات النائية لا تعمل بشكل صحيح والأكثر شيوعا أن الفقراء يتكبدون ببساطة الاستغناء عن المساعدة.
وتظهر الاستطلاعات الأخيرة أن أربعة أخماس العائلات الهندية تستخدم مخططات الإمدادات الغذائية العامة، وأن 28% منهم يقولون إنهم حرموا من الحصص الغذائية في مرحلة ما بسبب مشاكل مع Aadhaar الذي رغم ذلك أسهم في الحد من السرقة والفساد.
كما أن هناك ثغرات كبيرة في مخططات الحكومة الأخرى، إذ سرعان ما تراجعت حملة التطعيم ضد كوفيد -19 في الهند، التي بدأت في يناير، والسبب ليس فقط لأن الحكومة فشلت في توفير جرعات كافية، ولكن لأنه لا يمكن التلقيح إلا عن طريق خدمة CoWin عبر الإنترنت.
وربما هذا الأمر سهل للأشخاص الذين يعرفون القراءة والكتابة رقميا ولديهم بعض اللغة الإنجليزية على الأقل، ولكن بالنسبة لمعظم الذين ليس لديهم مثل هذه الأمور – الغالبية العظمى من الهنود – كان عليهم الانتظار لنحو 5 أشهر، عندما بدأت الحكومة في إدراك الأمر.
وهناك برنامج اجتماعي تم تصنيفه من بين أكثر الشبكات نجاحا في الهند، وهو يقدم وجبات طعام، ومعروف باسم anganwadis، إلا أن عددا ليس بالقليل من المستفيدين عانوا بسبب التكنولوجيا المتقدمة. ففي مارس الماضي، تلقى المستفيدون تعليمات لاستخدام تطبيق جديد للهواتف الذكية توفره الحكومة، وأن عدم تحميل البيانات المطلوبة من شأنه تعليق الأجور والإمدادات الغذائية، مما يهدد مصدرا حيويا للتغذية لأفقر أطفال الهند.
وقال العمال إن التطبيق صعب الاستخدام، وإنه باللغة الإنجليزية فقط، وهو ما لا يفهمه معظم الناس، ويستهلك الكثير من الذاكرة لدرجة أنه يحطم هواتفهم الذكية الرخيصة. كما أن الكثيرين لا يملكون هاتفا أو كهرباء أو محطات استقبال للهواتف المحمولة في قراهم.
وتأتي المشاكل، وفقا للمجلة البريطانية، عندما ينسى سحرة التكنولوجيا أنهم يعيشون في بلد ما يزال يضم مناطق فقرة للغاية تشمل عشرات الملايين من المواطنين. وأن ما يفاقم من هذه المشكلة هو تسرع السياسيين الذين يبحثون عن حلول سريعة ومثيرة، ويتخذون قرارات بتنفيذ مشاريع دون دراسة مناسبة، مع تجاهل الأساليب البسيطة الأكثر ملاءمة.
أ ش أ