كُتب كثير من المقالات والتحليلات ، عن التحدي الذي يواجهه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في مكافحة التضخم المستمر والبالغ 7% حاليا، ولكن في دوره كمنظم، يواجه الفيدرالي تحديا أكبر: الحفاظ على الاستقرار المالي بينما يرفع أسعار الفائدة.
ولا ينبغي أن ننسى أن رفع أسعار الفائدة ساعد على تحفيز الأزمة المالية لعامي 2008 و2009، وفي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، أدت الأموال السهلة إلى مستويات عالية من الاقتراض وتضخيم تقييمات الأصول – وهي ظروف لم يعد من الممكن استمرارها مع تشديد السياسة النقدية.
كما أن المستويات الإجمالية للمديونية أعلى اليوم، ويمكن القول إن فقاعة الإسكان لعام 2008 تتضاءل بالمقارنة مع “فقاعة كل شيء” المنتشرة لدينا الآن.
ورغم أن البنوك تتمتع برسملة أفضل مما كانت عليه قبل الأزمة المالية، فإن نقاط الضعف التي ابتلي بها النظام لفترة طويلة لا تزال قائمة، وفي السنوات الماضية، أصبحت السياسة التنظيمية – مثل السياسة النقدية – متيسرة للغاية، ويتعين على الاحتياطي الفيدرالي، بالعمل مع المنظمين الآخرين، أن يعكس مساره بسرعة.
أفضل مكان للبدء هو اختبارات الإجهاد التي يستخدمها بنك الاحتياطي الفيدرالي للتأكد من أن البنوك الكبرى يمكنها تحمل الظروف المعاكسة بشدة، لكن الاختبارات أصبحت ضعيفة للغاية بسبب المعارضة القوية لمحافظ الاحتياطي الفيدرالي لايل برينارد.
على سبيل المثال، لم يعد على البنوك إثبات قدرتها على توسيع ميزانياتها لدعم الاقتصاد في أوقات الشدة، ولم يعد يتعين عليهم اجتياز أحد الاختبارات الأكثر صرامة لقوة رأس المال والتي تسمى نسبة الرافعة المالية التكميلية المعززة، والتي تقيد مقدار ما يمكنهم الاقتراض.
فشل الاحتياطي الفيدرالي أيضًا في تطبيق سيناريوهات الضغط، إذ ترتفع أسعار الفائدة وأسعار المستهلك في ظل اقتصاد متباطئ، وهي ظروف موجودة اليوم وقد تزداد سوءًا، وفي عام 2018، تطلب الأمر من البنوك التأكد من قدرتهم على تحمل ارتفاع أسعار الفائدة بجانب حركات التصحيح العميقة في أسعار الأصول، وليس من المستغرب أن الأشخاص الذين تعرضوا لمخاطر تداول كبيرة مثل “مروجان ستانلي” و”جولدمان ساكس” كانوا الأكثر تضررًا، وواجهوا صعوبة في اجتياز اختبار الرافعة المالية التكميلية، كن لم يختبر الاحتياطي الفيدرالي القدرة على تحمل ارتفاع الفائدة منذ عام 2018.
والعام الحالي، يجب على الاحتياطي الفيدرالي إعادة اختبارات الإجهاد إلى صرامتها السابقة، وتضمين السيناريوهات التي تفترض الزيادات الحادة في أسعار الفائدة، والتضخم المستمر، وحركات التصحيح الكبيرة في جميع الأسواق.
وأظهرت تقارير الاستقرار المالي للفيدرالي، أن نطاقًا واسعًا من أسعار الأصول معرضة لانخفاضات كبيرة، ويجب أن تقيس اختبارات التحمل كيف يمكن أن يؤدي هبوط الأسعار إلى تعريض البنوك للخسائر بشكل مباشر أو من خلال عملائها.
وينبغي على الاحتياطي الفيدرالي أن يحذو حذو العديد من البلدان المتقدمة وأن يطلب من البنوك أن يكون لديها احتياطي رأسمالي مخصص لامتصاص التقلبات الدورية، بحيث يكون لديها فائض رأس المال متاح إذا وقع الاقتصاد في المتاعب، وهذا من شأنه أن يساعد في التعويض عن السنوات العديدة التي وافق فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي على توزيعات الأرباح التي تجاوزت أرباح البنوك، مما أدى إلى استنفاد قوة رأس مالها.
يجب على المنظمين أيضًا أن يعالجوا بشكل جماعي نقاط الضعف الطويلة الأمد التي تتجاوز النظام المصرفي، ومن الجدير بالثناء مقترحات رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، جاري جينسلر، بشأن إصلاحات لمعالجة صناديق أسواق المال الرئيسية غير المستقرة، والتي كان لا بد من إنقاذها خلال الأزمة المالية ومرة أخرى أثناء الوباء.
أخيراً، تظل المضاربة المتهورة في المشتقات جزءا من مشهد السوق، وعرض “أركيجوس”، وهو صندوق صغير نسبيًا، البنوك لخسائر تزيد عن 10 مليارات دولار بسبب استثمارات طويلة في المشتقات عالية الاستدانة.
ستجادل البنوك الكبرى بأنها أبلت بلاءً حسناً خلال الوباء.. لذا ليست ثمة حاجة لتشديد الرقابة.
وفي الحقيقة، قاموا بعمل جيد بسبب الإجراءات التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي والكونجرس لدعم أسواق الديون مع توفير تريليونات الدولارات لمساعدة الأسر والشركات.
بالنظر إلى العجز الفيدرالي المرتفع للغاية والميزانية العمومية المتضخمة للاحتياطي الفيدرالي البالغة 9 تريليونات دولار، سيكون من الصعب على السلطات المالية والنقدية إنقاذ النظام المالي مرة أخرى إذا واجه مشاكل، ولا يجب عليهم ذلك، ومن شأن التحفيز الإضافي الهائل لإنقاذ وول ستريت أن يصب الوقود على لهيب التضخم، ما يثقل كاهل ميزانيات الأسر ويقضي على مكاسب الأجور الحقيقية.
إذا كانت هناك أزمة أخرى، فلا يمكننا تحمل إعطاء الأولوية لوول ستريت على الاقتصاد الحقيقي، كما فعلنا خلال الأزمة المالية، وهذه المرة، يجب على المنظمين التأكد من أن البنوك يمكنها الوقوف بمفردها.
بقلم: شيلا بير، الرئيس السابقة للمؤسسة الأمريكية للتأمين على الودائع الفيدرالية.
المصدر: صحيفة “فاينانشيال تايمز”.