قفزت معدلات التضخم إلى أعلى مستوى لها منذ عدة عقود، في كثير من دول العالم الغني العام الماضي، في ظل تأثير كل من قيود العرض وقيود “كورونا” والانتعاش الاقتصادي المزدهر، التي تساعد كلها في رفع أسعار المستهلكين، مع ذلك، لا تزال ضغوط الأسعار في آسيا أضعف بكثير من باقي العالم، فما هو السبب وراء ذلك؟
يلاحظ مدير أبحاث الاقتصاد الكلي في بنك التنمية الآسيوي، أبدول أبيض، أن التضخم في معظم أنحاء المنطقة- خصوصا في الصين وهونج كونج والهند وإندونيسيا والفلبين وفيتنام- يعد في الواقع أقل من المتوسط المسجل على مدى العقد السابق للوباء.. لكنه أعلى من متوسط الأعوام بين 2010 إلى 2019- في ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند- بحوالي 2% أو أقل.
يرجع الاختلاف بين الشرق والغرب إلى عدة عوامل، إذ يعود بعض التفاوت في الأسعار المزدهرة التي شهدتها أمريكا الشمالية وأوروبا، فضلاً عن العديد من الأسواق الناشئة غير الآسيوية، إلى الغذاء.
ورغم أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت على مستوى العالم، فإن أبدول أبيض ، يلاحظ أن التأثير كان متفاوتاً، فقد ارتفعت أسعار الذرة والقمح بنسبة 18% و 20% على التوالي على مدى الـ 12 شهراً المنتهية في يناير، بينما انخفض سعر الأرز بنحو الخمس في نفس الفترة.
في بلد مثل الفلبين، يشكل الأرز ربع حصة الغذاء في مؤشر أسعار المستهلك، وعُشر المؤشر بأكمله.
أما في الصين على وجه الخصوص، فانخفض متوسط أسعار لحوم الخنازير بالجملة بأكثر من النصف في الـ 12 شهراً حتى يناير الماضي، مع بدء انحسار وباء حمى الخنازير الأفريقية الذي انتشر في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2018.
مما لا شك فيه أن تأثير أسعار المواد الغذائية واضح للغاية في الاقتصادات النامية، لكن ثمة أسباب وراء تسجيل الدول الأكثر ثراءً في آسيا ضغطاً تضخمياً أقل أيضاً، إحداها يتمثل في اختناقات سلسلة الإمداد التي لا تعتبر شديدة كما هي في الغرب، حسبما ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
تشير شركة “دروري” الاستشارية لسلسلة الإمداد إلى أن تكلفة شحن حاوية 40 قدماً من شنغهاي إلى روتردام ارتفعت بنحو 60% العام الماضي، لتصل إلى 13686 دولار. وفي المقابل فإن سعر رحلة العودة يزيد قليلاً عن عُشر ذلك، إذ يبلغ 1445 دولارا، وهو رقم انخفض بنسبة 1% في العام الماضي.
كذلك، تشير الدراسات الاستقصائية لمديري المشتريات إلى أن تأخيرات الموردين لا تزال تزداد سوءًا في معظم أوروبا والولايات المتحدة .. لكنها تتراجع في الصين والهند وإندونيسيا وتايلاند وفيتنام.
وأشارت “ذي إيكونوميست” إلى أن الطرق المختلفة التي اتبعتها دول العالم للخروج من أزمة الوباء تشكل أهمية أيضاً.
ولاحظ الباحثون في مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” الاستشارية ، أن التضخم في خدمات المستهلك في آسيا لا يزال منخفضاً. فارتفاع أسعار الخدمات الترفيهية والثقافية في كل من إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان يعادل نصف أو أقل من المعدل السنوي الأمريكي البالغ حوالي 4%.
وربما يكون هذا الاختلاف ناتجاً عن مزيد من التخفيف التدريجي للقيود المفروضة للسيطرة على الوباء، فضلاً عن ندرة السياح الدوليين.
من المؤكد أن فكرة تجنب جميع أشكال الضغط التضخمي أمراً غير ممكن، خصوصا أن أسعار الطاقة تتأثر بالاتجاهات العالمية بشكل أكثر من أسعار معظم السلع والخدمات الأخرى.
يذكر أن ارتفاع تكاليف الطاقة كان أكبر مساهم في ارتفاع التضخم في آسيا، حيث شكل ما يصل إلى ثلث إجمالي الزيادة في الآونة الأخيرة، بحسب ما ذكره المحللون في بنك “جولدمان ساكس” الاستثماري.
من الممكن أن تواجه العديد من الاقتصادات في المنطقة أسعار فائدة أعلى رغم التضخم المعتدل.. لكن احتمالية رفع البنك المركزي الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة خلال العام الجاري تزيد من مخاطر ارتفاع سعر الدولار، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في رفع مستويات التضخم في آسيا.
في الوقت نفسه، أعلن صناع السياسة النقدية في إندونيسيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية بالفعل عن اتخاذ خطوات صغيرة لتشديد السياسة النقدية، ولا يحتمل أن تكون هذه الدول هي الوحيدة التي تتخذ مثل هذه الخطوات.








