كان الأثاث أحد أكبر ضحايا أزمة الشحن وسلسلة الإمداد العالمية، إذ تعتبر تكاليف نقل أريكة أو طاولة أعلى بكثير من تكلفة هاتف “آي فون” الذي يأتي في حجم الجيب أو زوج من المدربين.
في بعض الحالات، ارتفعت تكاليف حاويات الأرائك والطاولات والكراسي بنسبة تصل إلى 1200% منذ بداية الوباء، مما أجبر تجار التجزئة على رفع الأسعار.
قال ستيف كارسون، الرئيس التنفيذي لتأجر الأرائك بالتجزئة “إس سي إس” ومقره المملكة المتحدة: “إذا فكرت في حجم جهاز أيفون وعدد الأجهزة التي يمكن وضعها في حاوية وفكرت في حجم الأشياء لدينا، فإن تكلفة المنتج سترتفع بالفعل”.
دفعت شركة “إس سي إس” ما يصل إلى 20 ألف دولار لكل حاوية لشحن الأرائك من آسيا إلى المملكة المتحدة خلال الوباء مقارنة بـ 1500 دولار قبل ذلك، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
هذا يعني أن الشركات تواجه إلى حد كبير خياراً لا تحسد عليه، يتمثل في امتصاص التكاليف الإضافية وتضرر هوامش الربح، أو زيادة الأسعار وبالتالي ضعف الطلب على منتجاتها.
حتى الآن، تظهر البيانات أن هذا الخيار الأخير يحدث مع ارتفاع سعر الأثاث المنزلي في المملكة المتحدة بنسبة 12.5% في ديسمبر على أساس سنوي، بحسب مكتب الإحصاء الوطني.
كانت المشكلة الرئيسية لتجار التجزئة في أوروبا والولايات المتحدة هي اعتمادهم على الصين، التي تصنع كل شيء من الأرائك الرخيصة وطاولات الحدائق إلى العناصر المسطحة المصنوعة من الألواح الخشبية.
في المملكة المتحدة، نمت واردات الأثاث من الصين من 50 مليون دولار في عام 1993 إلى 4.3 مليار دولار في عام 2020، وفقاً لبيانات التجارة الصادرة عن الأمم المتحدة.
يذكر أن تكاليف النقل المتصاعدة دفعت بعض تجار التجزئة الأوروبيين والأمريكيين إلى نقل بعض عمليات التصنيع الخاصة بهم إلى مكان أقرب إلى الوطن وعملائهم.
زادت شركة “إس سي إس”، مقرها سندرلاند، تصنيعها البريطاني من 50% إلى أكثر من 60% من إجمالي الإنتاج في العام الماضي.
قال الرئيس التنفيذي كارسون: “لقد صنعنا المزيد في المملكة المتحدة بسبب مشكلات سلسلة الإمداد والتكلفة التي تتحملها ولأن المهل الزمنية قد تم تمديدها”.
وأضاف أن شركته ستواصل بالتأكيد البحث عن المزيد من أماكن الإنتاج التي من شأنها تقريبهم من أرض الوطن في المملكة المتحدة أو أوروبا.
تعمل شركة “دي إف إس” لتجارة الأثاث بالتجزئة ومقرها المملكة المتحدة، التي تصنع 40% من أرائكها في بريطانيا، على زيادة كمية الأتمتة في مصانعها المحلية، مشيرة إلى فوائد الجودة العالية والتحكم الأكبر في سلسلة الإمداد وانخفاض المهل الزمنية.
في الوقت نفسه، نقل تجار التجزئة الأوروبيون الآخرون، الذين تأثروا بفترات التسليم الطويلة من آسيا، الإنتاج إلى دول قريبة من الوطن مثل بولندا وليتوانيا ولاتفيا، التي تتمتع بمزايا بسبب انخفاض تكلفة العمالة والوصول إلى المواد الخام مثل الخشب.
تحصل شركة “أيكيا” السويدية، أكبر تاجر تجزئة للأثاث في العالم، على العديد من سلعها من بولندا، حيث يتم تصنيع خمس منتجاتها، ومن الدول الأخرى المجاورة.
ومع ذلك، حتى “أيكيا” اضطرت إلى سد الثغرات في توافر بعض المنتجات باستخدام القطارات واستئجار السفن من الصين.
كذلك، تسببت التوترات الجيوسياسية المتزايدة بسبب النزاع بين روسيا وأوكرانيا في جعل أوروبا الشرقية ودول البلطيق أقل جاذبية، كما أن هناك مخاوف في بولندا بشأن جودة المنتج.
كما تستخدم سلسلة متاجر التجزئة العملاقة في الدنمارك “جيسك” مراكز توزيع كبيرة لتخزين البضائع بالقرب من عملائها الأوروبيين، رغم أنها لا تزال تحافظ على نصف إنتاجها في الصين.
تعليقاً على الأمر، يقول بيتر أندساجر، نائب الرئيس التنفيذي للمشتريات في “جيسك”، إن “نموذجنا أقوى في ظل السوق المتقلب لأننا نمتلك مراكز توزيع كبيرة، وهو شيئاً بإمكانه استيعاب أي تحديات”.
من المؤكد أن الاعتماد على التخزين أمر منطقي أيضاً لأن نقص العمال المهرة في بعض المجالات في دول مثل المملكة المتحدة يمكن أن يقوض محاولات نقل العمليات إلى مكان أقرب إلى الوطن.