من المتوقع أن يتقلص الفارق بين وتيرة النمو في الاقتصادات النامية والمتقدمة إلى أدنى مستوياته، القرن الحالي، وهو ما يشكل مشكلة بالنسبة لـ”الأسواق الناشئة” التي تبحث عن مستثمرين، لأن الهدف من الاستثمار في اقتصاد ناشئ هو أنه يوفر نمواً أسرع بشكل ملحوظ من الاقتصادات المتقدمة، ودون ذلك ستذهب الأموال إلى مكان آخر.
تدر أصول الأسواق الناشئة تقليدياً عائدات أكبر من تلك المتوفرة في الدول الغنية لسببين، الأول أن اقتصاداتها تنمو بشكل أسرع، والثاني هو أنها أكثر خطورة.
يقول ديفيد لوبين، رئيس اقتصادات الأسواق الناشئة في “سيتي بنك” الأمريكي: “دون النمو، فإن الأمر كله لا يشكل سوى مخاطر”.
نادرا ما كانت الحجة للاستثمار في أسهم وسندات السوق الناشئة أضعف، وهو أمر تعززه بيانات صندوق النقد الدولي بشأن معدلات النمو.
كما أن الوباء مستمر في الأغلب في الأماكن التي تنخفض فيها معدلات التلقيح بشكل كبير، ولدى الاقتصادات المثقلة بديون تكبدتها للمساعدة في التعامل مع تداعيات الوباء على الصحة العامة والشركات.
تلوح أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة والدولار الأقوى في الأفق، ما يجعل خدمة هذه الديون أكثر صعوبة ويزيد احتمال التخلف عن السداد، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
اقرأ أيضا: البرازيل وكولومبيا.. الأكثر ضعفًا هذا العام بين الأسواق الناشئة
وفي أجزاء كبيرة من العالم النامي، ارتفع التضخم بشكل مثير للقلق، ما أجبر صناع السياسة على رفع أسعار الفائدة بقوة لتجنب دورة من التضخم المفرط الذي عانت منه دول كثيرة في الماضي، وعندما يقترن ذلك بتذبذب التجارة العالمية، فإنه يرسم صورة قاتمة.
تعد سريلانكا أكبر مثال مباشر على هذا الخطر، إذ ترتب على الضربة التي لحقت بقطاعها السياحي أثناء الوباء مدفوعات فوائد وديون مستحقة بنحو 7 مليارات دولار العام الحالي، بينما تقلصت احتياطياتها من العملات الأجنبية إلى ما دون 3 مليارات دولار.
رغم أن الحكومة تعتقد أن بإمكانها تجاوز الأزمة مع عودة السياح وانتعاش الصادرات، فقد سعت أيضاً للحصول على إعفاء من الدائنين، مثل الهند والصين، اللتان مولتا مشاريع بنية تحتية مثل مينائي هامبانتوتا وكولومبو.
مع ذلك، يرى كثير من حاملي السندات أن التخلف عن السداد أمر لا مفر منه.
في الوقت نفسه، تبدو الاقتصادات الناشئة الأكبر في خطر مباشر أقل، لكن إد باركر، رئيس الأبحاث السيادية العالمية في وكالة التصنيف الائتماني “فيتش”، يتحدث عن “صف طويل من الأسواق الحدودية الضعيفة والهشة” التي تبدو معرضة للخطر.
كذلك، يشعر المستثمرون بقلق خاص تجاه دول مثل غانا والسلفادور وتونس، فضلاً عن أوكرانيا حال غزتها روسيا.
يحذر باركر من “أن هذا ليس مفهوما تجريدياً. ففي ظل الوباء، فإن كثيراً من هذه الدول أقل قدرة على تحمل الصدمات التي قد تواجهها في 2022”.
تخلفت 6 دول بالفعل عن سداد الديون خلال الوباء، وهي الأرجنتين وبليز والإكوادور ولبنان وسورينام (تخلفت مرتين) وزامبيا.
رغم أن الدول الأكبر ليست في خطر مباشر للمعاناة من تعثر في السداد، فإن الكثير منها عانى تدهور الظروف الائتمانية، إذ أصدرت “فيتش” في 2020 رقماً قياسياً بلغ 45 عملية تخفيض سيادي أثرت في 27 من أصل 80 سوق ناشئ تستعد لتصنيفها، منها المكسيك وجنوب أفريقيا، كما أنها خفضت تصنيف تركيا مؤخراً.
هذه أخبار سيئة ليس للمستثمرين فقط، فقد ساهم تدفق رأس المال الأجنبي إلى الأسواق الناشئة منذ الثمانينيات في انخفاض هائل في مستويات الفقر، فضلاً عن نمو الطبقات الوسطى حول العالم.
إذا استمر هذا التدفق في التراجع، فإن الدول الحدودية ذات فرص النمو الأكبر ستعاني كما سيعاني سكانها.
وتقول ريبيكا جرينسبان، الأمينة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية: “بعد مرور عامين من الوباء، ستتفاقم مشكلات الديون والتضخم والنمو البطيء”.
مع ذلك، لا تعد التوقعات سيئة بشكل كامل، فكثير من الاقتصادات الناشئة اليوم في وضع أفضل بكثير لتحمل هذه الصعوبات مقارنة بالماضي.
اقرأ أيضا: شركات الأسواق الناشئة تسجل موجة اكتتابات قياسية فى 2021
في السابق، كان العجز المستمر والعميق في الحسابات الجارية سبباً في جعل الدول عرضة للصدمات الخارجية واعتمادها على التمويل الأجنبي.
الآن، وبشكل إجمالي، تحقق الأسواق الناشئة فائضا في حساباتها الجارية، كما أن لدى الكثير منها، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند، احتياطات أجنبية كبيرة، ولديها أيضاً أسواق رأس مال محلية عميقة توفر حماية من تقلبات أسعار الصرف وتساعد في إقبال المستثمرين الأجانب على المخاطر.
لا يزال لدى مستثمري الدخل الثابت أسباب تجعلهم متفائلين، فبينما ينتظر العالم بدء الاحتياطي الفيدرالي في تطبيق سياسة رفع أسعار الفائدة بحلول مارس لكبح الأسعار التي ترتفع بشكل سريع، فإن البنوك المركزية في العديد من الأسواق الناشئة تتقدم عليه بفارق كبير بالفعل.
بدأت روسيا والبرازيل ودول أخرى رفع أسعار الفائدة منذ عام تقريباً، فهي لا تملك رفاهية الانتظار لمعرفة ما إذا كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود أمراً عابراً أم أنه سيدوم لوقت طويل، كما أن تاريخ التضخم العالي في دول عديدة أجبر صناع السياسة على التصرف بشكل سريع.
رفعت البرازيل، على سبيل المثال، معدل الفائدة بشكل مطرد من 2% في مارس الماضي إلى 10.75% الآن، ويتوقع أن تبلغ ذروتها عند 12% قبل التراجع في نهاية العام الجاري، كما يتوقع أن ينخفض تضخم أسعار المستهلك، الذي يتجاوز 10%، إلى 5.5% خلال الفترة نفسها.
يمكن أن يكون هذا المزيج من أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم المنخفض نسبياً مزيجاً جاذباً لمستثمري الدخل الثابت، حيث تقدم العائدات المرتفعة المتاحة على السندات المقومة بالعملة الأجنبية- الصادرة في الأغلب بالدولار واليورو من الأسواق الناشئة الأصغر- بالفعل عوائد سنوية مغرية بأرقام عالية من خانة واحدة.
مع ذلك، كانت أسعار الفائدة في الاقتصادات الناشئة تنخفض وتضعف عملاتها لأكثر من عقد، ما يجعل سندات العملة المحلية أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، لكن الآن ومع ارتفاع أسعار الفائدة المحلية بالاقتصادات الناشئة الأكبر، يمكن إحياء تداولات المناقلة التقليدية مما يؤدي إلى انتعاش طال انتظاره في سندات العملة المحلية.