ثمة سؤال هام يدور حول ما إذا كانت أسعار المواد الغذائية تجاوزت ذروتها؟
حتى قبل أن تعطي صفقة الحبوب التي توسطت فيها الأمم المتحدة بين كييف وموسكو الضوء الأخضر مؤخراً لمغادرة الشحنات لموانئ أوكرانيا على البحر الأسود، كانت أسعار السلع الغذائية آخذة في التدهور.
بعد ذلك، أدت مخاوف الركود، وموسم الحصاد الوفير في روسيا والآمال في تجدد تدفقات تجارة الحبوب إلى انخفاض الأسعار، لكن انخفاض الأسعار لا يعني انتهاء أزمة الغذاء.
يقول المحللون إن العوامل الأساسية التي دفعت الأسواق إلى الارتفاع لم تتغير، فالحرب المستمرة ليست سوى واحدة من مشكلات عديدة قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجوع على مدى أعوام كثيرة مقبلة.
جاءت الحرب في أوكرانيا في وقت كانت فيه أسعار المواد الغذائية ترتفع بالفعل بسبب مجموعة من العوامل، خاصة حالات الجفاف التي تؤثر في الدول الرئيسة المنتجة للمحاصيل وسلاسل الإمداد التي تتعامل مع الآثار المتبقية من الوباء، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وفي الدول الأكثر فقراً التي تركت اقتصاداتها في حالة يرثى لها بسبب عمليات إغلاق كوفيد-19، لم تتسبب الحرب سوى في تفاقم الوضع السئ.
يقول كاري فولر، المبعوث الأمريكي الخاص للأمن الغذائي، إن “ما يميز أزمة الغذاء العالمية عن غيرها من الأوضاع المشابهة السابقة هو أن هناك كثير من المسببات الرئيسة وراءها”.
يقول المحللون إن التأثير الحقيقي لهذه المجموعة من العوامل لن يتضح إلا العام المقبل، بينما يقول أحدهم: “أنا قلق أكثر تجاه عام 2023 أكثر من عام 2022”.
لا شك أن الحرب كانت عبئاً كبيراً على الإنتاج العالمي من الغذاء، ففي ظل الحصار المفروض على موانئ أوكرانيا ومحدودية طاقة الطرق البديلة، انخفض حجم الصادرات بشكل كبير، حيث صدرت البلاد في يونيو ما يقل قليلاً عن مليون طن من القمح والذرة والشعير، أي أقل 40% عن الشهر نفسه في 2021.
بدأ حصاد أوكرانيا في يوليو ويسعى المزارعون جاهدين إلى تخزين المحصول الجديد، لكن إذا لم يتمكنوا من بيع حبوبهم، فسيكون لذلك تداعيات حتى عام 2023، لأنهم لن يملكوا الأموال اللازمة لدفع ثمن البذور والأسمدة اللازمة للموسم القادم، وربما لن يكون لديهم محصول حتى، بحسب تحذيرات أحد مسؤولي السياسة الغذائية الدولية.
ربما تكون أسعار السلع المرتفعة التي شوهدت في أواخر الربيع قد حفزت إنتاجاً كبيراً في أماكن أخرى، لكن ذلك سيقابله ارتفاع كبير في تكاليف المدخلات لكثير من المزارعين، خاصة الأسمدة والديزل المستخدم في وسائل النقل والمعدات الزراعية.
يحذر مسؤولو السياسة الغذائية من أن أسعار الطاقة المرتفعة، التي يُتوقع أن ترتفع أكثر خلال فصل الشتاء، قد أثرت أيضاً على إنتاج الأسمدة النيتروجينية، وهي مادة مغذية رئيسية للمحاصيل.
حتى الآن، كان مصدر القلق الرئيس بشأن الغذاء هو إمدادات الحبوب، خاصة القمح والزيوت النباتية، اللتين تعد أوكرانيا مصدرة كبيرة لهما، لكن بعض المحللين يشعرون بالقلق بشأن سعر الأرز، المكون الأساسي للطعام في آسيا.
تتمتع الدول المنتجة الرئيسة مثل الهند وتايلاند وفيتنام حالياً بمستويات مخزون مرتفعة، لكن ثمة مخاوف بشأن القيود المفروضة على التصدير، إذا دفعت التكلفة العالية للقمح المزيد من المستهلكين إلى اللجوء للأرز.
يُصدر نحو 10% فقط من إجمالي الإنتاج العالمي من الحبوب، لذلك فإن القيود التي تفرضها أي بلد مصدر قد يكون لها تأثير كبير على الأسعار الدولية.
في عامي 2007 و2008، تضافرت قيود التصدير التي فرضتها الهند وفيتنام مع حالة الشراء بسبب ذعر كبار مستوردي الأرز، مثل الفلبين، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار أكثر من الضعف.
تتوقع منظمة الأغذية والزراعة أن تؤدي حرب أوكرانيا إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون نقص التغذية إلى 13 مليون شخص خلال العام الجاري، و17 مليون شخص آخرين في عام 2023، بينما يتوقع البنك الدولي أن يعاني 10 ملايين شخص آخرين فقراً مدقعاً مقابل كل زيادة بواقع 1% في أسعار المواد الغذائية.







