تواتر المستهلكون على أشياء كثيرة، فمنذ نحو عامين، تسبب الوباء في زيادة الشراء عبر الإنترنت لكل شيء، بدءاً من معدات المكاتب المنزلية والأثاث إلى أدوات الطهي والبستنة.
وتسبب الطلب المتزايد على البضائع في تفاقم مشكلات سلسلة الإمداد. كما رفع الأسعار بشكل كبير، حتى في وقت تسبب فيه الإغلاق في تقليص الإنفاق على السفر والترفيه.
لكن الاقتصادات الغربية الآن تعيد توجيه توازنها مرة أخرى نحو الخدمات والابتعاد عن البضائع، في وقت تتصاعد فيه مخاوف التضخم وتضيق فيه أسواق العمل، وهذا التحول تسبب في خيبة أمل أصابت الشركات الكبيرة وتركتها تكافح للتكيف.
كانت ثلاثة أرباع القفزة الكبيرة المفاجئة في جداول الأجور الأمريكية خلال الشهر الماضي، أو نحو 400 ألف وظيفة جديدة، من نصيب قطاع الخدمات، بينما استمر إنفاق الأمريكيين المعدل حسب التضخم على الخدمات في الارتفاع، وبلغ الإنفاق على البضائع ذروته العام الماضي.
حتى الإنفاق على الملابس بدأ في الانخفاض أخيراً، بعدما كان يتمتع بطفرة بعد عمليات الإغلاق.
وفي المملكة المتحدة، انخفض إجمالي مشتريات الأثاث والأدوات المنزلية إلى ما دون مستويات عام 2019.
وتضرر تجار التجزئة في قطاع السلع الاستهلاكية وشركات التجارة الإلكترونية بعد الاستفادة من عمليات الإغلاق وتوقعاتهم، التي أثبتت عدم صحتها، بأن تستمر تلك الأوقات الجيدة.
وأصبح يتعين على تجار التجزئة الكبار، مثل “وول مارت” و “تارجيت”، خفض الأسعار وإلغاء الطلبيات ليتمكنوا من تصفية المخزون الفائض، بعدما حققوا العام الماضي أرباحاً عبر بناء المخزون.
كذلك، أصبحت شركات التجارة الإلكترونية أكثر واقعية، بعدما اتضح أن الشراء عبر الإنترنت المرتبط بالوباء كان قفزة لمرة واحدة بدلاً من كونه تحولاً دائماً نحو النمو السريع.
لقد انخفضت الأسعار الإجمالية للبضائع عبر الإنترنت في الولايات المتحدة في يوليو للمرة الأولى منذ مايو 2020، نتيجة تراجعها في 14 من أصل 18 فئة تتتبعها شركة “أدوبي”.
وشهدت الإلكترونيات التي تعد أكبر الفئات في التجارة الإلكترونية، انخفاضاً سنوياً بلغ 9.3%، نظراً لانحسار ارتفاع نتج عن تحسين المكاتب المنزلية.
لكن مقدمي الخدمات هم الآن من يكافح لمواكبة الطلب، إذ ارتفعت مبيعاتهم بعد عامين قاتمين بسبب عمليات الإغلاق والطلب المحدود.
مع ذلك، فإن خلف هذه الأرقام الوردية تكمن بعض الضغوط العميقة والمتفاقمة، كما انخفض مستوى الرضا عن شركات الطيران والفنادق ومطاعم الوجبات السريعة الأمريكية خلال العام الجاري حيث سجلت الاستطلاعات انخفاضاً كبيراً في تقييم سرعة الخدمة والنظافة ضمن أمور أخرى.
كما أن أنشطة الترفيه في أوروبا متدهورة أيضاً، مع وضع مطاري هيثرو في لندن ومطار شيفول في أمستردام حداً أقصى لعدد الركاب المسموح به، بينما خفضت شركات الطيران في جميع أنحاء القارة من التذاكر الرخيصة.
ألقى المسؤولون التنفيذيون في الشركات اللوم في هذه المشكلات على نقص العاملين، رغم الجهود المبذولة لإغراء الموظفين بالعمل مقابل أجور أعلى.
تشير دراسات استقصائية إلى أن المستهلكين يشعرون بالقلق إزاء الزيادات السريعة في أسعار الغذاء والطاقة.
ورغم بدء الأسعار في الانخفاض، فإن حملتهم تجاه إعادة التفكير في إنفاقهم تنذر بالسوء لمقدمي البضائع والخدمات غير الأساسية.
ووجد مسح يوليو الذي أجرته شركة “ماكينزي” على المستهلكين أن 39% من الأوروبيين يخططون لإنفاق أقل على عناصر اختيارية غير الغذاء في الأشهر الثلاثة التالية، ويرجع ذلك جزئياً إلى توقعهم إنفاق المزيد على الغذاء والطاقة.
وفي المملكة المتحدة، شرع ثلثا المتسوقين بالفعل في شراء ملابس وإلكترونيات بشكل أقل أو بسعر أرخص، بحسب مسح أجرته شركة “إي.واي”.
لن تكون شركات الخدمات محصنة ضد ذلك، فقد قال أكثر من نصف المستهلكين البريطانيين لشركة “إي.واي” أنهم يخططون لتوفير المال عبر إنفاق أقل على خدمة التوصيل للمنازل، بينما تباطأ نمو الإنفاق على السفر في الولايات المتحدة إلى مستوى الركود تقريباً في يوليو حتى مع ارتفاع إجمالي إنفاق المستهلكين بنسبة 2% على أساس سنوي.
لا شك أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون مربكة جداً بالنسبة للشركات التي تتعامل مباشرة مع المستهلكين في جميع النواحي.