يتدفق المضاربون فى السوق على الهند، فى ظل تسجيلها قفزة قدرها 13.5% فى الناتج المحلى الإجمالى للربع الثانى من العام الجارى، مقارنة بالربع ذاته من العام السابق ونمو الائتمان المصرفى بوتيرة مماثلة.
وتظل قصة النمو طويل الأجل فى الهند كما هى وهناك أمور عديدة تسير على ما يرام بالنسبة لاقتصادها، كما تتحسن الميزانيات العمومية للنظام المصرفى والقطاع الرسمى فى البلاد، وتتوسع العديد من التكتلات الكبيرة، مثل “أدانى جروب” و”ريلاينس إندستريز” بقوة.
ويبدو أن طلب المستهلكين على السيارات والسفر والمشتريات التقديرية الأخرى يسير على طريق الانتعاش القوى، كما يعمل القطاع الزراعى والقطاعات المتحالفة معه بشكل جيد رغم ارتفاع تكاليف المدخلات والأمطار الموسمية غير المنتظمة.
ومازالت عمليات تحصيل الضرائب على السلع والخدمات قوية أيضاً، ما قد يمنح الحكومة قوة أكثر لدعم النمو الاقتصادى، حسبما ذكرت مجلة “نيكاى آسيان ريفيو” اليابانية.
ومثل هذه الظروف تجعل الهند تبرز مقارنة بجيرانها سريلانكا وباكستان وبنجلاديش، التى طلبت كل منها المساعدة من صندوق النقد الدولى، وفى الواقع، يبدو أن الهند فى طريقها لتتفوق تقريباً على كل الاقتصادات الرئيسية الأخرى فى نمو الناتج المحلى الإجمالى خلال العام الجارى، بما فى ذلك الصين.
ولكن المتفائلين يفتقدون إلى فجوات مهمة فى سردهم اللامع، فعلى سبيل المثال، يعد معدل النمو البالغ 13.5% أقل إثارة للإعجاب مما يبدو، بينما توقع بنك الاحتياطى الهندى، من بين آخرين، قفزة أعلى بكثير تقدر بـ16.2%.
وبالإضافة إلى أن إجمالى الناتج الفصلى البالغ 36.9 تريليون روبية كان أكبر بنسبة 3.9% فقط من الناتج المحلى الإجمالى للربع نفسه قبل ثلاثة أعوام، ما يشير إلى أن الاقتصاد ما زال يلحق ببطء بمساره السابق، وفى الواقع، تقلص الناتج الاقتصادى بنسبة 9.6% مقارنة بالربع السنوى الممتد بين شهرى يناير ومارس.
والجدير بالذكر أن التصنيع، الذى يمثل أولوية بالنسبة لرئيس الوزراء ناريندرا مودى، سجل نمواً سنوياً بنسبة 4.8% فقط فى الربع الأخير، بينما قاد قطاع الخدمات، الذى حقق نمواً بنسبة 17.6%، المكاسب الفصلية.
وبينما انتعش نمو الائتمان، كان هذا الانتعاش يتعلق فى الغالب بالائتمان الاستهلاكى، وذلك لأن نمو الائتمان الخاص بالقطاع الصناعى، وهو الأهم بالنسبة للاقتصاد، مازال بطيئاً، حيث ارتفعت القروض المصرفية للشركات الكبيرة بنسبة 3.3% فقط على أساس سنوى فى يونيو، وبالتالى فإن الحديث عن انتعاش مبكر للاستثمار الخاص يبدو سابقاً لأوانه.
وبالرغم من نمو الاستهلاك بنسبة هائلة بلغت 25.9% فى الربع الأخير، فإن التخفيضات فى الأجور والتسريح الجماعى بين شركات تكنولوجيا المعلومات والشركات الناشئة فى مجال التكنولوجيا لا تدل على أن الطلب التقديرى جيد، والذى يمثل بدوره خطراً سلبياً كبيراً لإحياء الاستثمار الخاص.
وأوضحت المجلة أن المالية الحكومية ليست فى وضع جيد، حيث وصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى 90%، وقد تبدو مجموعات ضريبة السلع والخدمات مثيرة للإعجاب للوهلة الأولى، لكن معظم الزيادة كانت بسبب التضخم وليس النمو الاقتصادى الأسرع.
وتعد الأوضاع المالية فى عدد من الولايات الهندية سيئة مثل تلك الموجودة فى سريلانكا، فهناك القليل من الحيز المالى الحقيقى للحكومات الفيدرالية أو الحكومية لزيادة الإنفاق لدعم النمو.
ولجعل الأمور أسوأ، فإن التضخم المستمر فوق النطاق المستهدف للبنك الاحتياطى الهندى سيمنع البنك المركزى من التحول إلى التكيف فى أى وقت قريب رغم ميله الواضح للنمو.
وكذلك، سيتأثر بنك الاحتياطى الهندى بشكل أكبر بالموقف المتشدد للبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى والضغط على الروبية بسبب نمو الواردات الذى يفوق نمو الصادرات، وسيؤدى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية إلى تثبيط الاستثمار الخاص والطلب الممول من الائتمان على المنازل والسلع الاستهلاكية المعمرة.
وتكافح الشركات غير الرسمية، التى توظف نحو 80% من القوى العاملة فى البلاد، للتعامل مع جهود الحكومة لجرهم إلى الاقتصاد الرسمى، وعلى الأخص مع ضريبة السلع والخدمات، وأدى سوء تنفيذ الإصلاح الضريبى إلى خلق كابوس امتثال للشركات الصغيرة عبر الاقتصاد.
وفى الواقع، قد يكون من الصعب تحقيق نمو ناتج محلى إجمالى سنوى بنسبة 7% خلال العام الجارى، نظراً لمدى تباطؤ النمو العالمى فى تقليل الطلب على صادرات السلع والخدمات الهندية الرئيسية، لكن هناك خطوات يمكن للحكومة اتخاذها لتعزيز النشاط الاقتصادى.
ويجب على كل من الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات الهندية محاولة قصر الدعم على ثلاثة عناصر أساسية، وهى الغذاء والتعليم والصحة، كما يجب استخدام الأموال المتوفرة لزيادة الاستثمار الرأسمالى فى المشاريع لدعم النمو الاقتصادى.
ومن المسلم به أن الحكومة تفتقر إلى الحيز المالى اللازم لخفض الضرائب على الأسر أو الشركات الصغيرة، لكن إنهاء الأعمال الورقية البيروقراطية سيقطع شوطاً طويلاً نحو مساعدة المجموعة الأخيرة.
وفى ظل تركيزها الأحادى على زيادة الإيرادات الضريبية إلى أقصى حد، زادت الحكومة بشكل كبير من متطلبات تقديم التقارير وإعداد التقارير بشأن الأعمال.
وبالنسبة لأولئك الذين لديهم عدد قليل من الموظفين، فإن الالتزام بالوقت والطاقة للامتثال أمر جوهرى، ويشعر الكثيرون بأنهم مضطرون لدفع أجور الاستشاريين والمحاسبين القانونيين لمواكبة ذلك أو حتى رشوة المفتشين.
ولاشك أن ترشيد القواعد وإنهاء الأعمال الورقية غير الضرورية سيؤدى إلى تحرير الأعمال الصغيرة للتركيز على ممارسة الأعمال التجارية.
ونظراً لأن هذه العملية تتطلب عموماً عمالة أكثر من الشركات الكبيرة، يمكن أن يساعد هذا النوع من الدعم فى خلق فرص عمل ودعم طلب المستهلكين دون الحاجة إلى الإعانات، كما أنه سيقلل الإنفاق الحكومى غير المنتج على عمليات التفتيش الضريبى وتحرير الأموال لدعم الاستثمار الرأسمالى.
