يتوقع معهد “لوي” أن تبدأ الولايات المتحدة تجاوز مستويات بكين بعد 2040
ترغب الولايات المتحدة في عرقلة اقتصاد الصين، حتى لا يتمكن على الإطلاق من منافستها على قدم المساواة، إذ يصعب تفسير إعلان واشنطن الأخير بفرض ضوابط على تصدير أشباه الموصلات بأي طريقة أخرى.
ربما يكون الهدف هو التفوق العسكري وليس الاقتصادي، لكن العولمة كما عرفناها على مدى الثلاثين عاماً الماضية وصلت بوضوح إلى نهايتها.
مع ذلك، هذا ليس سوى ثاني أهم حدث على المدى الطويل لمسار النمو الصيني في أكتوبر الحالي.
مع احتمالية استمرار وجوده في منصب رئيس البلاد لخمسة أعوام أخرى، من المرجح أن يواصل شي جين بينج تحول الصين بعيداً عن التحرير وقوى السوق، نحو حكم الدولة والحكم الشمولي، وربما تكافح الولايات المتحدة لإبقاء اقتصاد الصين متدهوراً، لكن في هذه الدورة من العداء، فإن بكين في طريقها إلى شل نفسها.
تؤثر مثل هذه التحولات في البيئة الداخلية والخارجية للنمو الصيني في الإجابة عن أكبر سؤال اقتصادي وجيوسياسي في القرن الحادي والعشرين، والذي يدور حول ما إذا كان يمكن أن يستمر توسع الصين السريع حتى يصبح شعبها ثرياً بمستوى غنى الأمريكيين، أو على الأقل مثل ثراء جيرانها اليابانيين؟
إذا كان الأمر كذلك، فعندئذ تظهر حقيقة بسيطة، وهي أنه في ظل وجود أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، يمكن أن ينمو اقتصاد الصين ليصبح أربعة أضعاف الأمريكي، وفي هذه الحالة ستهيمن على العالم، بالتأكيد اقتصادياً، وعلى الأرجح سياسياً وعسكرياً أيضاً.
مع ذلك، فإن العوائق التي تعترض تنمية الصين تجعل اتخاذ مسار مختلف أكثر احتمالاً.
إنه مستقبل ما زالت الصين تنمو فيه، وما زالت تسعى لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، لكنها تظل أقل كثيراً من مستويات الدخل في الولايات المتحدة، بالتالي سيكون هذا عالم قوتين عظميين متنافستين.
ويكمن الخطر في أن المنافسة المتقاربة قد تكون أقل استقراراً، من الناحية الجيوسياسية، من صعود حتمي للهيمنة الصينية، حسبما ذكرت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
تم توضيح سبب تباطؤ النمو الصيني بشكل معقول في تقرير أعده رولاند راجا وأليسا لينج، من معهد لوي، في بداية العام الحالي.
في ظل انخفاض عدد السكان في المستقبل جراء عقود من سياسة الطفل الواحد، وتناقص العوائد لبناء مزيد من الشقق والبنية التحتية، يعتمد النمو المستقبلي في الصين على مستويات أعلى من الإنتاجية.
مع ذلك، يجادل راجا ولينج بأن أداء الصين كان ضعيفاً مقارنة مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية في مراحل مماثلة من تطورها، وأن الدولة تكافح مع الجولة التالية من الإصلاحات التي يحتاج إليها لمواصلة دفع الإنتاجية إلى الأعلى، مثل تطوير نظام مالي حديث يخصص رأس المال بكفاءة، أو إصلاح نظام “هوكو” لتسجيل الأسر.
على عكس جيرانها في شرقي آسيا، يجب أن تتعامل بكين الآن مع العداء الصريح من الولايات المتحدة تجاه محاولاتها الارتقاء في سلسلة القيمة.
من المحتمل تماماً أن يكون المتفائلون بشأن نمو الصين على صواب، وأن بكين ستغير مسارها وتجري الإصلاحات اللازمة للحفاظ على النمو، وأن تكون الدولة قادرة على أن تطور بشكل مستقل أي تكنولوجيا تحظرها الولايات المتحدة، لكن حتى إذا حققت الصين بعض النجاح في الإصلاحات، فإن راجا ولينج يقدمان حالة متشائمة مفادها أن النمو الإجمالي سيظل يتباطأ من 6% قبل الوباء إلى نحو 3% بحلول 2030 و 2% بحلول 2040.
هذا يخلق مستقبلاً جيوسياسياً مختلفاً للغاية، حيث ستظل الصين تتفوق على الولايات المتحدة خلال العقد أو العقدين المقبلين، لكن اقتصادها سيصبح أكبر نحو 50% فقط بمعادل القوة الشرائية التي تتكيف مع الأسعار، وأكبر 15% وفقاً لحساب أسعار الصرف في السوق.
لا شك أن الآثار المترتبة على ذلك ليست مطمئنة بالنسبة إلى الاستقرار العالمي.
ستؤثر التركيبة السكانية في الصين بشكل أكبر في نموها، في حين أن الولايات المتحدة تعد أكثر انفتاحاً على الهجرة، بالتالي، يتوقع معهد لوي أن تبدأ الولايات المتحدة في تجاوز مستويات الصين بعد عام 2040، وهذا يعني أن الصين ستبلغ ذروة القوة الاقتصادية، مقارنة بالولايات المتحدة، في مرحلة ما خلال عقد 2030.
إذا توصل صُناع السياسة الصينيون إلى الاعتقاد بأن هذه هي الحال، فعندئذ بدلاً من أن يقف الوقت إلى جانبهم عندما يتعلق الأمر بإعادة كتابة النظام العالمي، قد يرون أن لديهم نافذة محدودة للتحرك.
كذلك، ستدرك بكين، بشكل صحيح تماماً، أيضاً أن هناك جهداً من جانب القوة الاقتصادية العظمى في العالم لجعل الصين في حالة ركود، وإبقائها فقيرة نسبيا، وهذا من شأنه أن يعزز الاستياء.
يذكر أن أكبر اقتصاد في العالم لديه فرصة محدودة لاكتساب القوة وأسباب للشعور بضغينة تجاه النظام العالمي الحالي، ويبدو هذا كأنه وصفة لعدم الاستقرار، والشيء الوحيد المخيف في النمو الجامح في اقتصاد الصين هو أن يتخذ الأمر الاتجاه المعاكس.