يواجه القطاع الصناعي حول العالم مجموعة من التحديات، مثل ارتفاع التضخم ونقص العمالة وتأخير سلسلة الإمداد، في أعقاب الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية.
ومع ذلك، في مواجهة هذه العقبات، ينتقل القطاع الصناعي في سنغافورة من قوة إلى قوة، بالتالي تعد الدولة واحدة من الدول القليلة في التاريخ الحديث التي نجحت في عكس اتجاه الانخفاض في حصة قطاع التصنيع من الناتج المحلي الإجمالي.
يمكن العثور على سر نجاح سنغافورة في كلمة واحدة، وهي الروبوتات.
لم يكن تحرك البلاد نحو الأتمتة حلاً قصير المدى، بل بدلاً من ذلك، هو نتيجة الشروع في خطة طويلة الأجل لدولة المدينة الصغيرة التي أدت إلى خلق بيئة مثالية للتصنيع عالي التقنية، حسبما ذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
اتخذت سنغافورة خطوات عديدة لترسيخ مكانتها باعتبارها البلد المضيف لثاني أكبر قطاع تصنيعي كثيف استخدام الروبوت في العالم، بعد كوريا الجنوبية فقط، وهذا شمل تنمية المواهب ذات المستوى العالمي بجدية على مدى عقود عبر مبادرات مثل الشراكات البحثية الممولة مع الجامعات المحلية الممولة تمويلاً جيداً وتدريب العمال المدعوم.
ضمنت سنغافورة جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين متعددي الجنسيات عبر إدارة اقتصاد مفتوح يسمح للاستثمار الأجنبي المباشر والسلع الوسيطة بالتدفق والصادرات تتدفق بسلاسة وبتكلفة منخفضة إلى سوق آسيوي واسع، كما أنها معترف بها كملاذ إقليمي لحماية الملكية الفكرية.
إضافة إلى ذلك، حفزت الحكومة شركات التصنيع والهندسة العالمية بشكل كبير لبناء مرافق إنتاج متقدمة في الجزيرة، بجانب تقديم منح للشركات المحلية التي تعمل معها، مما يؤدي إلى اكتساب المعرفة والوصول إلى أحدث التقنيات.
هذا يعني أنه عندما تتطلع الشركات المصنعة العالمية الرائدة إلى تطوير مرافق جديدة، فهناك الكثير من الأسباب لوضعها في سنغافورة.
ومع ذلك، فإن الأتمتة الروبوتية تمثل معضلة، فعلى الرغم من أن استخدام الروبوتات يزيد الإنتاجية ويعزز الإنتاج في قطاع التصنيع، فإنه يمكن أن يحل محل العمال ويؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في الدخل.
تشير دراسة أجرتها مؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس” إلى أن كل روبوت يتم تركيبه في منطقة منخفضة الدخل يزيج ما معدله 2.2 عامل في المصنع، لكن في المناطق مرتفعة الدخل في نفس الدول، فإن متوسط النزوح يبلغ 1.3 عامل فقط.
يتعين على الساسة الموازنة بين توزيع التكاليف والفوائد، ففي الولايات المتحدة وأوروبا، على سبيل المثال، هناك ضرورة سياسية قوية للسياسة الصناعية لتعزيز الأجور وكذلك الأرباح، كما أن روح إنعاش التصنيع تتماشى مع خلق وظائف جديدة.
أما في سنغافورة، فبالرغم من تقلص العمالة في التصنيع لثمانية أعوام متتالية، فقد تم استبدال التكاليف الاجتماعية للأتمتة الروبوتية بالعمال المهاجرين الأجانب.
وبالرغم من أن الأتمتة تخلق فائزين وخاسرين في القوى العاملة، فإن سوق العمل في سنغافورة يميل نحو الفائزين، حيث يُصنف 60% من عمال التصنيع في البلاد باعتبارهم من ذوي المهارات العالية، ونسبتهم تزداد.
ربما تكون سنغافورة فريدة نسبياً وسط تمتعها بكتلة أرضية صغيرة وسكانها المتعلمين تعليماً عالياً وبنيتها التحتية ذات المستوى العالمي، لكن استغلالها الناجح للروبوتات ما زال يقدم دروساً للعالم الأوسع.
الدرس الأول هو الحاجة إلى تخطيط استراتيجي طويل الأجل، وهو شيء يغيب في الغالب عن الاقتصادات المتقدمة الأكبر التي تستجيب للضغوط التعويضية من نقابات الأعمال والتمويل والعمالة.
ثمة عنصر آخر في وصفة النجاح في سنغافورة هو الارتباط بين السياسة الصناعية ونظام التعليم ومؤسسات التدريب المتخصصة والنظام البيئي للأعمال، بجانب الاستثمار العام لتعزيز البحث الأكاديمي حول التقنيات المتقدمة والإعفاءات الضريبية للشركات التي تستثمر في قدراتها التكنولوجية وبرامجها لرفع مستويات مهارات القوى العاملة.








