عندما بلغ التضخم في ليتوانيا نسبة 20% التي لا يمكن تصورها خلال العام الماضي، بدأ سكان المناطق الريفية جنوب الدولة الواقعة على بحر البلطيق في التقشف.
كان التضخم في ارتفاع إلى مستويات شوهدت آخر مرة منذ عقود عبر الغرب، لكن قليلاً من الأماكن شهد ارتفاعاً في الأسعار تماماً مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، حيث تجاوز التضخم 20% خلال الصيف ولا يزال أعلى من 21% في الدول الثلاث جميعها.
بينما هناك عوامل محلية تفسر بعض الزيادة، إذ يحذر صُناع السياسات في دول البلطيق من أن المنطقة تقدم مؤشراً مبكراً عن كيفية تطور ضغوط الأسعار عبر أوروبا خلال2023، حتى لو بلغ المعدل الرئيس للتضخم ذروته.
يقول محافظ البنك المركزي في لاتفيا، مارتيتش كازاك، إن “دول البلطيق نذير مبكر لخطر محتمل بموجة التضخم التي تضرب أوروبا”.
إنها رسالة مقلقة بالنسبة للدول الأوروبية الأخرى، إذ يمكن أن يظل الضغط التضخمي مرتفعاً أثناء الشتاء والربيع مع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة، حسبما نقلت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
أفاد خبراء الاقتصادي في دول البلطيق بأن الخبراء من الدول الأوروبية الأخرى اندهشوا من القبول الظاهري الذي استقبل به العامة هذا التضخم الشديد.
عن ذلك، تقول الخبيرة الاقتصادية في بنك الإقراض السويدي، جريتا إليكيتو، أكبر بنك في دول البلطيق: “الزملاء من الخارج يسألونني: لماذا لا توجد احتجاجات؟”.
يقول صُناع السياسة إن دول البلطيق تتمتع بميزتين كبيرتين لا تتمتع بهما معظم الدول الغربية الأخرى، أولهما أنها تعاني تضخماً مرتفعاً نسبياً منذ عدة أعوام وسط نمو قوي للأجور،و تلحق اقتصاداتهم ببقية أوروبا، مما يعني أن القفزة المفاجئة هزت المنطقة بشكل أقل.
والميزة الثانية تتمثل في أن ذكريات احتلالهم القسري من قبل الاتحاد السوفياتي لعقود تعني أنهم أكثر تقبلاً لعواقب الحرب الروسية الأوكرانية، حتى لو كانت هناك بعض المخاوف بشأن احتمال استغلال الشعبويين للوضع.
كان التضخم يرتفع بالفعل في دول البلطيق، قبل فترة طويلة من حرب أوكرانيا في فبراير.
وكانت معدلات التضخم في كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا قريبة من الصفر في بداية عام 2021، لكن بحلول يناير الماضي، تراوحت بين 7.5% – 12.3%، وهذا أعلى بكثير من متوسط منطقة اليورو.
وعلى عكس كثير من دول أوروبا، فإن لدول البلطيق أيضا تجربة حديثة من التضخم المرتفع، كما حدث في عام 2008، عندما بلغ التضخم في لاتفيا 18%، ما يعني أن أحدث ارتفاع في الأسعار كان له تأثير أقل في الحالة النفسية الوطنية.
يشير جيديميناس شيمكوس، رئيس البنك المركزي الليتواني، إلى أن مستويات معيشة الناس ارتفعت بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، ما يسهل استيعاب الانعكاس الأخير في القوة الشرائية، وهذا يساعد على تفسير سبب تجنب دول البلطيق كثيراً من الاحتجاجات والإضرابات التي شوهدت في أماكن أخرى من أوروبا.
يذكر أن الأجور تضاعفت في ليتوانيا منذ انضمامها إلى اليورو عام 2015، بينما ارتفعت الأسعار الاستهلاكية 40% فقط في ذلك الوقت.
يقول شيمكوس إن “مستويات المعيشة ارتفعت بشكل كبير، لذلك هناك تفسير اقتصادي لماذا لم نتعرض لأعمال شغب حتى الآن”.
تشير إليكيتو، من بنك الإقراض السويدي إلى أن ليتوانيا الآن أغنى، على أساس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بعد تعديله وفقا للقوة الشرائية، من إسبانيا والبرتغال واليونان، وليست بعيدة عن إيطاليا.
لم تؤد الأزمة الأخيرة إلا إلى زيادة الدعم العام لليورو رغم الانتقادات في أماكن أخرى في القارة لبطء استجابة البنك المركزي الأوروبي لارتفاع التضخم.
كذلك، يقول محافظو البنوك المركزية إن “التضخم ارتفع بشكل أسرع في دول البلطيق بسبب عدد من الاختلافات مع بقية أوروبا، بما فيها الاستخدام الأكبر لأسعار الطاقة في المدى القصير بدلاً من العقود الثابتة طويلة الأجل التي تمتلكها الشركات في معظم أنحاء أوروبا، لذلك فإننا نرى رد الفعل هذا يأتي بشكل أسرع”.
ويقول كازاك: “بالنسبة ل إلى دول منطقة اليورو الأخرى، فإن الآثار الكاملة لم تظهر بعد”.
أوضح شيمكوس أن “التضخم أعلى في دول البلطيق نظراً لجني المواطنين هناك مكاسب أقل في المتوسط مما يجنون في كثير من أنحاء أوروبا، ما يعني أنهم ينفقون نسبة أكبر من دخلهم على الضروريات مثل الطاقة والغذاء، حيث ارتفعت الأسعار إلى أبعد الحدود”.
وأضاف أن “نفقات الطاقة الحرارية كحصة من الدخل في ليتوانيا أعلى بأربع مرات تقريباً منها في منطقة اليورو، كما أن مصاريف الوقود الصلب أعلى بثلاث مرات تقريباً”.
وتشير حسابات البنك المركزي الليتواني إلى أن هذا الفارق جعل التضخم المحلي أعلى بمقدار 2% منه في باقي منطقة اليورو.
يذكر أيضاً أن حكومات دول البلطيق مثل معظم الدول في أوروبا استجابت بتقديم خطط دعم لتخفيف تأثير الزيادات في الأسعار، خاصة في مجال الطاقة.
هناك دلائل على أن ضغوط الأسعار هذه تؤثر سلباً في اقتصادات دول البلطيق، إذ كان أداء إستونيا ولاتفيا الأضعف بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو البالغ عددها 19 دولة حتى الآن خلال العام الجاري، بعد أن انكمش اقتصاداهما 2.3% و0.4% على التوالي في الربع الثالث من العام السابق.
يعتقد بعض السياسيين في المنطقة أن التعامل مع المشكلات المحتملة من ارتفاع التضخم أسهل منه في أجزاء أخرى من أوروبا، حيث تقول شيمونيتي إن “الأمور أسهل هنا، لكن في دول أخرى، ربما يكون الوضع أكثر شدة، أرى تضخماً من خانتين في دول منطقة اليورو القديمة، حيث تعلم أن سوق العمل مستقرة نوعاً ما، وأن نمو أجور العمل يختلف نوعاً ما عنه هنا في هذا الجزء من أوروبا”.








