
ينقسم كبار المسئولين التنفيذيين فى الشركات الأمريكية بشكل حاد حول فرص تجنب البلاد للركود الاقتصادى، فى وقت تشير فيه الإشارات المتضاربة بشأن أسعار الفائدة وأسواق العمل والإنفاق الاستهلاكى إلى تشويش توقعات مجتمع الأعمال لعام 2023.
وأصيب المستثمرون الذين كانوا يأملون فى الحصول على إشارة واضحة على آفاق الاقتصاد الأمريكى من أكبر شركاته بحالة من الإحباط، وذلك فى منتصف موسم أرباح الربع الرابع.
وأبلغت شركات مثل “فورد”، و”ماكدونالدز”، و”يو بى إس”، و”يو إس بانكورب”، المستثمرين أنها تستعد على الأقل لركود معتدل فى الولايات المتحدة، فيما اتجه الرئيس التنفيذى لشركة “تسلا” إيلون ماسك إلى أبعد من ذلك، حين أخبر المحللين مؤخراً أن شركته ستواجه ربما ركوداً حاداً للغاية.
وحتى مع قيام مجموعات التكنولوجيا الكبرى، مثل “ألفابت”، بخفض التكاليف فى مواجهة تباطؤ الإعلانات، أكدت شركات أخرى، مثل “أمريكان إكسبريس”، و”جنرال موتورز”، أنها تتوقع تجنب الولايات المتحدة لأى ركود خطير.
وقال دانى باتشمان، خبير التنبؤات الاقتصادية الأمريكية فى شركة “ديلويت”: “حتى الآن، من الآمن القول إن الركود هو فى الأغلب فى أذهان الناس”، مشيراً إلى أن “بيانات المعنويات كانت سلبية للغاية حتى مع أن النشاط الاقتصادى الفعلى، كما يتم قياسه عبر مكاسب الوظائف والإنتاج الصناعى ومبيعات التجزئة، مايزال يشير إلى النمو”.
ويتوقع باتشمان نمواً بطيئاً للغاية، مع عدم وجود ركود فى النصف الأول من العام الجارى، ويأتى الانقسام فى أكبر اقتصاد فى العالم فى وقت أبطأ فيه بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى وتيرة الزيادات الأخيرة فى أسعار الفائدة، مع الإشارة إلى أنه لايزال يتعين عليه رفع تكاليف الاقتراض بشكل أكبر لترويض التضخم.
وتتزايد الدلائل على تباطؤ النمو، حيث أظهر تقرير مؤسسة “آى إس إم” أن نشاط التصنيع انكمش للشهر الثالث فى يناير، كما يتوقع صندوق النقد الدولى الآن انخفاض النمو الأمريكى من 2% فى 2022 إلى 1.4% فى 2023.
كما أعرب مسئولون تنفيذيون فى مجموعة من الصناعات عن مزيد من الحذر بشأن ظروف الاقتصاد الكلى لعدة أشهر، ومنذ بداية العام، انتشرت فكرة تسريح العمالة بدءاً من وادى السيليكون إلى وول ستريت، حيث قالت شركة “تشالنجر جراى آند كريسماس” أن أرباب العمل فى الولايات المتحدة أعلنوا خفض أكثر من 100 ألف وظيفة فى يناير، مقارنة بأقل من 44 ألف فى ديسمبر و19 ألفا قبل عام.
وألقت شركة “باى بال” مؤخراً باللوم على “بيئة اقتصاد كلى صعبة” فى إعلانها تسريح 2000 موظف، كما قالت “فيد إكس” إنها ستخفض 10% من رتبها العليا لتتماشى بشكل أفضل مع طلبات العملاء، وأرجعت “إنتل” سبب تخفيض رواتب رئيسها التنفيذى والمديرين التنفيذيين وغير التنفيذيين إلى الرياح المعاكسة للاقتصاد الكلى.
وعلى الرغم من ذلك، تأتى هذه الإعلانات فى أعقاب سلسلة من عمليات التوظيف فاقت التوقعات، حيث وجد تقرير وزارة العمل الحديث أن البلاد كان لديها 11 مليون وظيفة شاغرة فى نهاية عام 2022، ارتفاعاً من 10.46 مليون فى نوفمبر.
وتحدى أرباب العمل الأمريكيون التوقعات بإضافة 517 ألف وظيفة فى يناير، أى نحو ضعف رقم ديسمبر، وقال ساشين ميهرا، المدير المالى لشركة “ماستركارد”، إن سوق العمل القوية هذه ستستمر فى دعم الإنفاق الاستهلاكى فى عام 2023.
وبالرغم من ذلك، عززت شركات أخرى رسالة واردة من استطلاعات آراء المستهلكين تظهر أن الأمريكيين أصبحوا أكثر حذراً بشأن الإنفاق التقديرى، خاصة على البضائع وليس الخدمات مثل السفر وتناول الطعام فى الخارج.
وكذلك، أشار خبراء الاقتصاد فى بنك “مورجان ستانلى” إلى كيفية استنزاف المستهلكين “الذين يتقشفون” من أجل المدخرات الزائدة التى راكموها فى وقت مبكر من تفشى وباء كورونا، كما وصفت شركة “هانز براند” للملابس الطلب أنه “صامت”.
وقال فاسانت برابهو، المدير المالى لشركة “فيزا” للمحللين مؤخراً: “هناك استقرار ملحوظ فيما يتعلق بإجمالى الإنفاق.. ما يحدث هو تحسن وضع الإنفاق على الخدمات فى ظل تباطؤ الإنفاق على البضائع قليلاً، وهذا يعنى أن المستهلكين حولوا إنفاقهم فقط، لكنهم ينفقون المبالغ نفسها”.
وظهرت رسالة أكثر تشاؤماً من الشركات المكشوفة لسوق الإسكان التى تتباطأ بسبب ارتفاع معدلات الرهن العقارى، حيث ذكرت شركة “شيروين ويليامز”، إحدى أكبر شركات الدهانات الأمريكية، أنها شهدت “بيئة طلب صعبة للغاية”.
وقال جون موريكيس الرئيسى التنفيذى لـ”شيروين ويليامز”، إن “حالتنا الأساسية فى عام 2023 تظل تدور حول الاستعداد للأسوأ”، وذلك مع قصر مدى الرؤية بعد الأشهر الستة الأولى من العام.