البنوك المركزية تتجه نحو مزيد من التشديد.. والتعافى الهش يواجه رياحاً معاكسة
فعلياً.. تأمر منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفاؤها «أوبك+»، الأسواق الآسيوية بـ«الانصياع للأوامر»، وسط استمرار معاناتها من تجربة اقتراب بنك «كريدى سويس» من الانهيار.
وأعلنت روسيا وباقى الكارتل، مؤخراً، تخفيضات مفاجئة فى إنتاج البترول، وهذا يأتى فى وقت كانت فيه البنوك المركزية الآسيوية تشير إلى توقف مؤقت فى رفع أسعار الفائدة فى الأشهر الـ18 الماضية.
يعد خفض الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يومياً صفقة ضخمة.
وبالرغم من أن التخفيضات لن تُنفذ حتى مايو، فإنَّ تكاليف الوقود ترتفع بالفعل.
فى ظل تقليص «أوبك+» تدفق البترول، من المرجح أن تتخذ سلطات العديد من الدول خطوات بسحب السيولة النقدية، وهذا بالتأكيد يقوض الانتعاش الاقتصادى، ويزيد من حدة المخاوف المتعلقة باحتمالية نشوب تعثرات مماثلة لحالة «كريدى سويس» مستقبلاً.
كتب ليم جيت يانج، مستشار أسواق البترول فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى «ستاندرد آند بورز جلوبال كوموديتى إنسايتس»، فى تقرير، أنَّ تخفيضات حصص إنتاج «أوبك+»، «قد تؤجج التضخم مع زيادة تشديد العرض فى النصف الثانى من العام الحالى، وهذا الأمر قد يُعقد قرارات محافظى البنوك المركزية، خصوصاً بعد الأزمة المصرفية الأخيرة».
تمكنت الأسواق من تنفس الصعداء فى الأسابيع التى أعقبت انهيار «سيليكون فالى بنك» ونظراء آخرين فى الولايات المتحدة وإنقاذ بنك «يو بى إس» لـ«كريدى سويس».
وبالرغم من سوء الاضطرابات، فإنَّ أزمة عام 2008 آخر لا يبدو وكأنها تتطور، حسبما ذكرت مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
وبالقدر نفسه من الأهمية، بدا أن رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى جيروم باول وفريقه فى واشنطن يقتربون من نهاية دورة التشديد الأكثر حزماً فى الولايات المتحدة منذ عقود.
من المرجح أن يدفع تجار السندات العائدات إلى مستويات مرتفعة فى وقت تأمل فيه الحكومات الآسيوية فى تضييق عجز الميزانية فى عصر كوفيد، وقد يعود المستثمرون فى الأسهم إلى حالة «تجنب المخاطرة» فى الأعوام الأخيرة، كما أن تقلبات العملة قد تؤدى إلى قلب المحافظ العالمية رأساً على عقب.
فى الوقت نفسه، ارتفعت مخاطر التضخم فى الصين، ومن هنا أشار بنك الشعب الصينى فى الأسابيع الأخيرة إلى العودة إلى التحفيز النقدى.
لكن.. هل يندم المحافظ يى جانج فجأة على الخفض الذى أعلن عنه البنك المركزى الصينى مؤخراً فى متطلبات الاحتياطى الأجنبى الخاص ببنوك الدولة؟
صحيح أن الزعيم الصينى شى جين بينغ بإمكانه طلب المساعدة من نظيره الروسى فلاديمير بوتين لتأمين بترول رخيص، لكن التداعيات التضخمية لقرار «أوبك» على المستهلكين من الولايات المتحدة إلى ألمانيا إلى اليابان ستعقد آمال بكين فى شق طريقها نحو نمو اقتصادى نسبته 5%.
كذلك، عرضت «أوبك» دول جنوب شرق آسيا للخطر؛ حيث ألمح رؤساء البنوك المركزية فى جاكرتا وكوالالمبور ومانيلا، مؤخراً، إلى أنهم قد يرون ضوءاً فى نهاية نفق التشديد، لكن الأمور أصبحت الآن أكثر قتامة قليلاً.
قال نورييل روبينى، الخبير الاقتصادى فى جامعة نيويورك، إنَّ البنوك المركزية تواجه الآن «أزمة ثلاثية» معظمها غير مهيأ لمعالجته، «فنحن ليس بإمكاننا تحقيق استقرار الأسعار والحفاظ على النمو الاقتصادى والاستقرار المالى فى الوقت نفسه، لذلك فى النهاية سنواجه انهياراً اقتصادياً ومالياً».
ربما يكون روبينى مخطئاً، لكن خفض «أوبك» إنتاجها من البترول بشكل خطير زاد من حدة التوتر.
ومن هذا المنطلق، كتب محللو «آر بى سى كابيتال ماركتس» فى مذكرة، أن «وزير البترول السعودى عزز سمعته كأمير للتغيرات المفاجئة».
كما أشار إدوارد مويا، المحلل لدى «أواندا»، إلى أن «الأمر لا يتعلق فقط بما يفعله السعوديون، بل كيف يفعلون ذلك أيضاً».
وقال «مويا»، إنه «من الواضح أن السعوديين لم يشعروا بالراحة تجاه مدى انخفاض أسعار البترول وأرادوا إرسال رسالة هنا، بالتالى سيتعين على محللى الطاقة إعادة ضبط أى توقعات متشائمة؛ حيث من الواضح أن البترول يعود نحو 100 دولار للبرميل».
يمكن القول إن هذا هو آخر شىء تحتاجه آسيا فى وقت يواجه فيه التعافى الهش رياحاً معاكسة جديدة، وفى ظل معاناة البنوك الأكثر هشاشة من ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض الطلب الاقتصادى.
كل هذا يعنى أن أباطرة البترول قد غيروا كل شىء تقريباً كان يعتقد صُناع السياسة الآسيويون أنهم أدركوه بحلول عام 2023.
لا تزال آسيا تبدو فى وضع أفضل يمكّنها من تحمل الفوضى المالية فى الأشهر المقبلة مقارنة بالغرب؛ حيث تمتلك آسيا محركات قوية لتسخيرها بين تعافى الصين بعد كوفيد ونمو الهند بنسبة 6%.
ومع ذلك، فإنَّ المفاجأة التى قدمها «أوبك+» لا يمكن اعتبارها سوى سحابة مظلمة يواجهها النظام المصرفى العالمى المضطرب.







