أثار الغزو الروسى لأوكرانيا، اضطرابات فى أسواق الحبوب العالمية، العام الماضى.
انتشر الذعر بشأن عدم استقرار العديد من الدول التى تعتمد على المنطقة المتحاربة فى الحبوب منخفضة التكلفة، بدءاً من اليمن إلى بنجلاديش، فى ظل ارتفاع تكلفة الذرة والقمح.
لكن هل ستزداد المجاعة سوءاً؟ وهل سيترتب على ذلك اضطرابات مدنية؟
تعانى البلدان، التى تفتقر إلى الأمن الغذائى، من ارتفاع أسعار الحبوب العام الماضى، لكنها تمكنت من تجنب بعض العواقب التى شكلت تخوفاتنا الكبرى.
هدأت أسواق الحبوب بشكل كبير، حتى مع استمرار تصاعد الصراع، ومع اقتراب الأسعار من مستويات ما قبل الغزو، وهى نتيجة أفضل مما توقعه الكثيرون.
جاءت الدبلوماسية الذكية والتكنولوجيا المتقدمة وبنية التوزيع التحتية المرنة واستراتيجيات التجارة الفعالة ضمن العناصر الرئيسية للتكيف مع هذه الأسواق المضطربة، إذ تجاوب العالم سريعاً للاستفادة من نقاط القوة عبر الشبكات العالمية لنقل الحبوب من المناطق الرخيصة وذات الوفرة إلى المناطق التى كانت فيها نادرة ومكلفة.
تخيل ماذا سيكون ممكناً إذا خططنا للمستقبل؟
فى الوقت الذى تتعرض فيه الإمدادات الغذائية العالمية للاضطرابات الجيوسياسية والمناخية بشكل متزايد، إليك 5 طرق حاسمة يمكن من خلالها تعزيز الدروس المستفادة بعد عام من الصراع فى أوكرانيا:
إعادة تركيز الجهود لتمويل المعونة الغذائية
تعرضت وكالات الإغاثة الغذائية، مثل برنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لضغوط؛ نظراً إلى تفشى الجوع.
عام 2022، جمع ديفيد بيسلى، مدير برنامج الغذاء العالمى، حوالى 14 مليار دولار من مانحين حكوميين ومن القطاع الخاص، وهو ما يزيد على الضعف، مقارنة بالأعوام الماضية، لكنه اضطر لتملق بعض المليارديرات علناً مثل إيلون ماسك للمساعدة.
ذهبت أغلب الأموال التى جمعها بيسلى لشراء الحبوب عالية التكلفة وتزويد الشعوب غير القادرة على تحمل تكاليفها بالإمدادات.
يجب على سيندى ماكين، التى ستخلف بيسلى قريباً، مع مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، أن تحذو حذوه، فى ظل استمرار الدعوات الحزبية لطلب تمويل عملهما.
كما يجب على منظمات المعونة الغذائية أن تنظر إلى ما هو أبعد من المنح المؤقتة وأن تضع استراتيجيات طويلة الأجل لدعم الممارسات الزراعية المرنة فى المناطق التى تعانى من المناخ.
وينبغى أن يصبح دعم السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائى موضوعاً رئيسياً لكل مؤتمر دولى رئيسى يمضى قدماً، من دافوس إلى مؤتمر المناخ «كوب 28».
تعزيز القنوات الدبلوماسية المتوقع شهودها اضطرابات غذائية مستقبلية
كان من الممكن أن يصبح الجوع العالمى أكثر حدة بشكل كبير لولا مبادرة البحر الأسود للحبوب، وهى اتفاقية بين روسيا وأوكرانيا وتم تجديدها مؤخراً بمساعدة تركيا والأمم المتحدة لضمان استمرار شحن المنتجات الزراعية والأسمدة من موانئ البحر الأسود الرئيسية فى أوكرانيا.
جلب الاتفاق بعض الراحة إلى دول مثل تركيا والمغرب ومصر وكينيا، التى تعتمد بشكل كبير على الواردات من تلك المنطقة، إضافة إلى باكستان التى يقترب 5 ملايين مواطن بها من المجاعة.
هذا النوع من الدبلوماسية سيكون ضرورياً لتحقيق استقرار الأسواق بعد الصدمات السياسية والبيئية، فلن تكون هناك دولة بمعزل من اضطرابات الغذاء.
كما أخبرنى جو يانسن، الذى يدرس الاقتصاد الزراعى فى جامعة إلينوى، «عندما تواجه الأسواق العالمية الصدمات، تصبح الدول المستوردة والمصدرة أكثر ترابطاً لا أقل».
إعادة تقييم كيفية تداول المحاصيل الرئيسية
حفز تجار الحبوب والوسطاء والمنظمون، الرجال والنساء خلف الستار والذين ينقلون إشارات الأسعار عبر السوق، زراعة ملايين الأفدنة الجديدة فى إنتاج القمح والذرة فى الولايات المتحدة والأرجنتين وكندا والبرازيل لتعويض النقص من أوكرانيا والمساعدة فى إعادة موازنة الإمدادات، لكن التجار، الذين يعملون لدى عمالقة الأعمال الزراعية مثل كارغيل وأرتشر دانييلز ميدلاند، يركزون على الربح، وليس التخفيف من الجوع.
إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن ولجنة تداول السلع الأجلة التابعة لها، فى حاجة إلى التفكير حول كيفية المساعدة فى الحفاظ على الشفافية والنزاهة وربما العدالة فى أسواق الحبوب العالمية.
فى حالة الأزمة، هل يمكن لتدفقات الحبوب ألا تتوقف فقط على من يدفع السعر الأعلى بل على أى منطقة فى احتياج أكبر؟
وكيف يمكن أن تصبح البيانات وإشارات الأسعار أكثر إتاحة ليس فقط للتجار والوسطاء ولكن للمستهلكين الذين يعتمدون على الواردات؟
بدءاً من الآن، تعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من بين الأطراف العالمية القليلة الذين لديهم عمولات لوضع قواعد لممارسات تداول الحبوب العادلة والشفافة.
ويجب على إدارة بايدن النظر فى محاولة جديدة للشراكة مع الأمم المتحدة لإنشاء وكالة دولية للمعايير المشتركة بين جميع البلدان الرئيسية المصدرة والمستوردة للحبوب.
الاستثمار فى البنية التحتية اللوجستية
مستقبل الأمن الغذائى سيتضمن لعبة معقدة من لوجستيات النقل، لتحريك الحبوب بشكل أسرع من الدول ذات الوفرة إلى الدول ذات الندرة.
لم يكن الاستثمار فى منشآت التخزين أفضل علاوة على السكك الحديدية والطرق السريعة وشبكات الشحن والموانئ أكثر أهمية من الآن.
كما أن ثمة حاجة خاصة إلى الاستثمار فى أحدث حدود إنتاج الحبوب المنخفضة التكلفة، من كندا إلى منغوليا، حيث يزيد ارتفاع درجات الحرارة من احتمالات إنتاج الحبوب.
المضاعفة من جهود تطوير الجيل القادم من التكنولوجيا الزراعية
بحلول منتصف القرن، ربما يصل العالم إلى عتبة الاحتباس الحرارى التى تصبح الممارسات الزراعية الحالية بعدها «غير قادرة على دعم الحضارات الإنسانسة الكبيرة».
يعد أحد الحلول هو تغيير الممارسات الزراعية الحالية باستخدام التكنولوجيا للتمكن من إنتاج المزيد من الطعام على مساحة أقل، وذلك وفقاً لتقرير اللجنة الدولية المعنية بالتعير المناخى.
كما يمكننا الوصول لهذا العصر الجديد عن طريق تطبيق الأدوات التى فى أيدينا، والتى تتمثل فى الذكاء الصناعى والروبوتات والزراعة الخلوية والهندسة الجينية والزراعة الرأسية والأقمار الصناعية والبيانات الضخمة.
ويمكن لهذه الأدوات أيضاً تعزيز الجهود لاستعادة الممارسات الزراعية التقليدية والمتجددة التى من شأنها تحسين سلامة صحة التربة، وجعل الأراضى الزراعية أكثر مرونة فى مواجهة الحرارة والفيضانات والجفاف.
لا تزال أسواق الحبوب العالمية هشة، ويمكن أن تؤدى المتغيرات البيئية والسياسية التى لا حصر لها إلى المزيد من الصدمات فى أى وقت، ما يعيق عائدات الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وكندا والصين وغيرها من المنتجين الرئيسيين لكن فى الأشهر الـ12 الماضية، أثبتت إعادة توازن إمدادات الحبوب وخفض الأسعار أن لدينا القدرة على رسم مسارٍ مستدامٍ للمستقبل.
بقلم: أماندا ليتل
كاتبة مقال رأى لدى «بلومبرج»
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»