يحقق رئيس الوزاء الماليزي سلسلة من النجاحات. فبعد أن فازت إدارته باستثمارات جديدة أوائل الشهر الماضي من “أمازون” و “تسلا”، تبعها بتأمين التزامات استثمارية قيمتها 170 مليار رينغيت (38.3 مليار دولار) من الشركات الصينية خلال زيارة لبكين.
مع ذلك، لهذا القدر الصحي من الشك ما يبرره في ضوء طبيعة الاقتصاد الذي ورثه أنور عندما أصبح رئيساً للوزراء في نوفمبر الماضي.
منذ التسعينيات، عندما كان أنور عضواً بالحكومة لآخر مرة، تحول تركيز الاقتصاد الماليزي من التصنيع إلى الخدمات، وهذا التحول طبيعياً عندما ينضج الاقتصاد ويخصع للتحول الهيكلي، وهذا الأمر يُرى في اقتصادات الشمال العالمي الأكثر تطوراً.
ولكن العديد من الاقتصاديين قلقون من أن ماليزيا بدأت مبكراً في التخلي عن التصنيع.
يتعلق الأمر جزئياً بالاعتماد المزمن للدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا على الاستثمار الأجنبي المباشر لتعزيز النمو، فهذا الاعتماد واضح بشكل خاص في الصناعات الرئيسية، بما فيها إنتاج السلع الكهربائية والإلكترونية وتصنيع السيارات.
يعد الانفتاح على الاستثمار الأجنبي المباشر أمراً إيجابياً، لكن هذا لا ينفي حقيقة وجود فارق بين اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر لذاته واجتذاب أنواع الاستثمارات التي قد تدفع التصنيع الأمام بشكل متعمد، حسب مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
الأمر لا يتضمن اقتراح أن ماليزيا يجب عليها السعى لإيقاف الاستثمار الأجنبي المباشر في الخدمات، لأن هذا لن يكون واقعياً، لكن يجب على الحكومة محاولة التمييز بين الاستثمار الإنتاجي والمميز وبين الاستثمارات غير المنتجة أو العادية لأنها تركز بشكل أكبر على استهداف التصنيع عالي القيمة المضافة.
هذا النوع من الاستثمار قد يمرر التكنولوجيا وتقنيات التسويق الجديدة للشركات المحلية التي يمكنها الاستفادة من معرفة العاملين الموظفين من قبل “تسلا” وشركائها الكبار، شريطة إتمام ذلك بشكل صحيح.
يمكن أن تؤثر آثار المحاكاة على ممارسات انتقال الطاقة المتجددة الأوسع في ماليزيا وتسريع بناء البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية على مستوى البلاد.
في الوقت نفسه، يتعين على صُناع السياسات السعي إلى تثبيط أو التخلص التدريجي من الاستثمار الأجنبي غير المنتج والبسيط الذي لا يساهم في رفع قدرة ماليزيا التصنيعية إلى قمة سلسلة القيمة العالمية بشكل مباشر، عبر الفحص الأكثر إحكاماً لمقترحات الأعمال والتطبيق الصارم للمعايير الاجتماعية والبيئية.
يمكن للحكومة دراسة تجربة تايوان خلال الثمانينيات، فقد كانت تايباي آنذاك مصممة على تحويل اقتصادها بعيداً عن صناعة الملابس والصناعات الأخري منخفضة القيمة المضافة والاتجاه نحو إنتاج أشباه الموصلات.
استفادت الحكومة من خبرة مؤسس شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات موريس تشانج، ذو الدور الفعال في إغراء الاستثمار المباشر الكبير من الشركات الأمريكية وتوجيهه نحو البحث والتطوير المحليين.
وفي الواقع، يمكن للعديد من الشركات الأكثر تقدمًا في تايوان المعاصرة تتبع أصولها إلى هذا الجهد.
يمكن لماليزيا التعلم من تجربة تايوان من خلال الاستهداف المباشر للاستثمار الأجنبي المباشر عالي القيمة المضافة.
تعد ماليزيا لاعباً تنافسياً عند النظر إلى قطاع السلع الكهربائية والإلكترونية، لكنها ترتكز في الغالب على تجميع وتعبئة رقائق أشباه الموصلات التي تتطلب عمالة كثيفة نسبياً، حيث تمتلك حصة قدرها 13% من السوق العالمية.
استفادت ماليزيا من تدفق الشركات متعددة الجنسيات التي تسعى إلى التحوط من التوترات بين الولايات المتحدة والصين من خلال تنويع عملياتها.
وما لم يذكر كثيرا هو أن هذه المصانع تركز أساسا على التجميع والتغليف، الأمر الذي يكتفي بترسيخ وجود ماليزيا في الطرف الأدنى من قطاع السلع الكهربائية والإلكترونية، كما يمكن عمل المزيد لتحفيز التحديث التكنولوجي الطويل الأجل ولجلب المزيد من الأنشطة المتطورة مثل التصميم والبحوث وتوفير المواد المتقدمة إلى ماليزيا.
في هذا السياق، سيكون هاماً التحول من الحوافز الاستثمارية العامة إلى المنافع المعايرة بعناية أكبر والجمع بين مصالح الشركات الماليزية والمؤسسات التعليمية والتدريبية والشركات الأجنبية المتعددة الجنسيات.
تعتبر الأفاق المستقبلية لاقتصادات جنوب شرق اّسيا،مثل ماليزيا، متفائلة نسبياً، بعيداً عن كونها ساحة معركة بين الولايات المتحدة والصين، لكن المطلوب لتحقيق الارتقاء بالهيكل الصناعي للبلاد لا يقتصر على الدبلوماسية الماهرة، بل أيضاً فهماً ملموساً للأساسيات الاقتصادية.