صدرت الأسبوع الماضى مجموعة من القرارات الخاصة بأعمال التقييم العقارى وتقييم بعض أصول الدولة، فقد أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية القرار رقم 116 لسنة 2023 بتاريخ 25 مايو 2023، والمنشور بجريدة الوقائع المصرية بتاريخ 6 يونيو الجارى، والخاص بالشروط الجديدة المضافة لشروط ومتطلبات تجديد القيد للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين المقيدين بجدول خبراء التقييم العقارى لدى الهيئة وقد استحدث القرار “شرط اجتياز المقابلة الشخصية أو الاختبار الذى تحدده الهيئة لهذا الغرض”.
كما نشرت الصحف أنباءً عن اتجاه الحكومة للاستعانة ببعض المقيمين الدوليين فى تقييم بعض أصول الدولة لطرحها على المستثمرين، وفى رأينا أن القراراين يرتبطان ببعضهما رغم صدورهما من جهتين مختلفتين وما يبدو ظاهريا من عدم وجود علاقة بينهما.
ونرى أن قرار “الرقابة المالية” صدر دون تشاور مع مجلس إدارة الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقارى، رغم أن الجمعية على تواصل مستمر مع الهيئة، ولقد جاء القرار غريبا ولا يتسق مع المعايير المصرية أو الدولية للتقييم العقارى، حيث لا يوجد شرط مقابلة شخصية أو أداء امتحان لتجديد القيد بالنقابات المهنية لبعض المهن المماثلة “المهندسين – الأطباء”، فالمتبع عالميا أن المقابلات الشخصية لا تتبع كموضع اختيار إلا فى حالات الانضمام الأول لأى سجلات والامتحان يكون عادةً عند الترقى لنيل لقب أو درجة أعلى مثل الاستشارى مثلا، ولذلك فالمقابلة الشخصية من المنطقى أن تكون عند القيد لأول مرة وليس عند تجديد القيد، خصوصا وأن من الخبراء من تعدت فترة عمله ما يزيد على 20 عاما، بخلاف ما يتمتع به هؤلاء الخبراء من درجات علمية وخبرات عملية كبيرة.
اقرأ أيضا: “خبراء التقييم العقارى” تناقش آليات تقييم المشروعات العمرانية تحت التطوير
كما أن ترك أمر تجديد قيد الخبراء للأهواء وتباين وجهات النظر فى المقابلة الشخصية يضع مستقبل مهنة التقييم العقارى فى خطر داهم ويفقد خبراء التقييم المحليين الحيادية والمصداقية أمام المستثمرين من خارج مصر لأنه يوحى بقدرة هيئة الرقابة المالية على توجيه رأى الخبراء وإلا حرموا من التجديد وخاصة حين تتناول أعمالهم تقييم الأصول المملوكة للدولة وهو أمر خطير جدا وله تبعات خطيرة على مستقبل الاستثمار بالدولة.
وإذ يؤكد مجتمع الخبراء على حق جهات الرقابة فى وضع ما تراه من ضوابط لضمان حسن الأداء ولكن يجب أن يتم ذلك من خلال برامج تدريب واضحة لرفع كفاء وتطوير الأداء المهنى للخبراء دون التطرق إلى نظام المقابلات الشخصية والتى توحى بقدرة هيئة الرقابة المالية على التحكم فى آراء الخبراء بعيدا عن ضوابط مهنية حقيقية.
كما أن مصر جزء من العالم ولا يمكن فرض قواعد تخالف الأعراف العالمية والتى منها استقلال وحيادية خبراء التقييم، ولذلك فإننا نناشد مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية لإعادة النظر فى هذا القرار لما قد يكون له من تأثير سلبى على منظومة التقييم العقارى المحلى وعزوف المستثمرين الأجانب عن الاستعانة بخبراء التقييم المصريين وتحولهم إلى خبراء من خارج البلاد وما قد يترتب على ذلك من تأثير على قيمة الأصول العقارية المحلية.
كما أن قرار الحكومة الاستعانة ببعض المقيمين الدوليين فى تقييم بعض أصول الدولة لطرحها على المستثمرين، يواجه العديد من المحاذير منها عدم الإلمام بطبيعة السوق العقارى المحلى.
ونحن لم نعلم دولة فى العالم وافقت على تقييم أصولها بمعرفة خبراء أجانب فماذا يحدث لو لم نوافق على نتائج التقييم؟ هل سنضطر لقبوله أم نرفضه مما قد يسئ إلى سمعة وحيادية أعمال تقييم الأصول المصرية وتأثير ذلك سلبا على بيئة الاستثمار فى مصر؟، وهل نستطيع محاسبة خبير التقييم الأجنبى إذا أخطأ؟ ومن الذى سيراجع تلك التقييمات لو حدث خطأ بها؟.. أسئلة مهمة وخطيرة يجب مراعاتها قبل الإقدام على تنفيذ هذه القرارات.
ومن ناحية أخرى فإن عملية التقييم هى مهمة محلية تتطلب معرفة وإلمام بتفاصيل السوق المحلى وفى أغلب الأحيان يعتمد المقيم الأجنبى على الخبراء المحليين فى جمع بيانات السوق ومن ثم تحديد قيمة الأصول، وكان الأولى بالدولة رعاية سوق التقييم العقارى بتطوير قواعد البيانات وتبويب ونشر نتائج حالات البيع سواء مبيعات هيئة المجتمعات العمرانية أو جهات الدولة الأخرى وإتاحتها لخبراء التقييم المحليين لدعم أعمال التقييم المحلى ورفع مستوى أداء الخبراء للوصول الى القيم العادلة للأصول.
ولقد بدأت منظومة التقييم العقارى بمصر والمنطقة العربية أوائل القرن الماضى وكان لمصر السبق فى تنظيم هذه المهنة وكانت الجمعية المصرية من أوائل المنظمات العربية فى استحداث ميثاق للسلوك لأداء المهنة والانضمام إلى اللجنة الدولية لمواصفات التقييم فى لندن وكان لنا السبق فى إصدار معايير مصرية للتقييم العقارى فى عام 2015، وقد كان للأستاذ الدكتور أحمد أنيس رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقارى الفضل فى نشر ثقافة هذه المهنة بالمنطقة العربية كلها دون استثناء، وللأسف انطلقت تلك الدول لتبنى صناعة أقوى مما نرى فى مصر بفضل رعاية الدولة لها فأصبح بالسعودية هيئة للتقييم وتجاوز عدد الخبراء بها المئات وعدد المقيدين للحصول على ترخيص ممارسة المهنة ما يقرب من 2000 شخص.
ونؤكد أن الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقارى حريصة على حماية مهنة التقييم العقارى فى مصر خصوصا وأن عدد المقيمين فى تناقص مستمر، فعدد خبراء التقييم المقيدين بسجل خبراء التقييم لدى هيئة الرقابة المالية والمزاولين للمهنة لا يتعدى 180 خبيرا، فى حين أن عدد خبراء التقييم فى الدول التى لحقت بنا فى منظومة التقييم العقارى يفوق أضعاف هذا العدد.
وختاما فإننا نؤكد على أهمية التعاون المستمر والمثمر بين هيئة الرقابة المالية والجمعية المصرية لخبراء التقييم العقارى للوصول إلى آليات مقبولة من الناحية العملية ومتسقة من الناحية القانونية ومتوافقة مع المعايير الدولية فى عملية قيد وتجديد خبراء التقييم العقارى وألا يتم إصدار قرارت بصفة منفردة أو تطبيقها بأثر رجعى حماية لهذه الصناعة الحيوية وللقيمة العادلة للأصول العقارية المصرية.
بقلم: الدكتور عبد النبى مرزوق، عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لخبراء التقييم العقارى








