حملة الصين لإضفاء الطابع الإقليمي على سلاسل التوريد.. أفضل من التوقعات
لم يكن تأثير التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين جيدًا على فتح الأسواق.
فقد اتضح أن السماح لوزراء الدفاع أو الخارجية بإملاء السياسة التجارية لا يؤدي إلى تحرك البضائع بسلاسة أكبر عبر الحدود، لكن حتى مع انهيار العولمة، انطلق سباق لاكتساب النفوذ التجاري في المنطقة الأكثر اكتظاظًا بالسكان والأسرع نموًا في العالم، وهذا سباق تفوز به الصين بكل هدوء.
تحرص كل من الولايات المتحدة والصين على إعلان فوائد الاتفاقيات الإقليمية التي ترعاها للدول الآسيوية، ففي 27 مايو، وافقت مجموعة مكونة من 14 دولة على إنشاء نظام إنذار مبكر بشأن مشاكل سلسلة التوريد، وهي اللبنة الأولى للإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو العرض الرئيسي للرئيس الأمريكي جو بايدن.
في 2 يونيو، دخلت الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهي اتفاقية تجارية مدعومة من الصين وتشمل أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكافة دول جنوب شرق آسيا (باستثناء تيمور الشرقية) وكوريا الجنوبية، حيز التنفيذ في الفلبين، وهي آخر الدول الأعضاء في الاتفاقية التي تضم أعضاء يصل عددهم إلى 15 دولة.
للوهلة الأولى، يبدو الاتفاقان غير جوهريين في الغالب، حيث بدا على المفاوضين الأمريكيين عدم الاهتمام بتقديم وصول أكبر إلى الأسواق للمصدرين الآسيويين، مما يؤثر على الفكرة التي تقوم عليها الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، فيما يرفض النقاد الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة لأنها لا تغطي حقوق العمال والبيئة والشركات المملوكة للدولة.
على الرغم من هذه القيود، تعمل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بالفعل على تعزيز الثقل التجاري للصين، حسبما نقلت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
ففي الوقت الذي انخفضت فيه قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بنسبة 15% و 5% على التوالي في الأشهر الخمسة المنتهية في يونيو، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، نمت الصادرات إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا بنسبة 8% خلال هذه الفترة، لتصبح الكتلة المكونة من 10 أعضاء هي الآن أكبر شريك تجاري للصين.
من المفيد أن المجال الذي حققت فيها الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة معظم التقدم، والذي يتمثل في مواءمة قواعد المنشأ لصادرات السلع، يهم كثيرًا سلسلة التوريد المعقدة التي تمتد عبر أكبر مركز تصنيع في العالم.
في الواقع، هذه الصفقة تخلق سوقًا واحدًا للسلع الوسيطة التي تدخل في المنتجات النهائية، الأمر الذي يساعد الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة على منع ما يسمى بـ “وعاء المعكرونة” لعشرات الصفقات التجارية المتداخلة التي يكافح المصدرون من أجل تقبلها.
وهذا ما يجعل المنطقة “نوعًا من شبكة توريد معفاة من الرسوم الجمركية”، كما يقول أديتيا جاهلاوت، من بنك “إتش إس بي سي”.
يعد الحد من المستوى التعقيد أكثر جاذبية للشركات الصغيرة التي لا تعد ولا تحصى في آسيا ويشجع الاستثمار في الإنتاج الذي يحدث في الدول الأعضاء في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، بدلاً من أي مكان آخر.
ثمة نقطة قوى أخرى وهي أن الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة قد تجعل أعضائها أكثر ثراءً، لكن هذا لن يأتي بفضل تخفيضات التعريفة الجمركية، التي تعتبر ضئيلة للغاية.
وتتوقع دراسة حديثة أجراها البنك الدولي أن تلك الدول الأعضاء سترفع الدخل الحقيقي المحلي بنسبة 0.07% فقط بحلول عام 2035، لتأتي المكاسب في شكل تحسينات في الإنتاجية ناتجة عن تقليل الاحتكاكات التجارية وقواعد المنشأ الأكثر تحرراً.
ويعتقد البنك الدول أن التجارة بين الدول الأعضاء في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة يمكن أن ترتفع بنسبة هائلة تصل إلى 12% خلال نفس الفترة، مقارنة بسيناريو عدم وجود صفقة من الأساس.
لا يزال هناك متسع من الوقت حتى تلحق اتفاقية الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ بالركب، إذ يأمل بعض الحلفاء الآسيويين لأمريكا أن يؤدي فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية العام المقبل إلى تغيير المزاج السياسي العام في واشنطن، مما يتيح إحراز تقدم أسرع.
هذا الأمر يبدو مثيرًا للتفاؤل في الوقت الحالي، حيث يمزح أحد المفاوضين التجاريين السابقين قائلاً إن حقيقة أن الهند عضو في اتفاقية الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ تعتبر إشارة إلى أن أي اتفاقيات مستقبلية ستفتقر إلى الحدة.
جدير بالذكر أن الحكومة الهندية، التي اختارت عدم المشاركة في كل من الشراكة العابرة للمحيط الهادئ والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، تتجنب عن كثب الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف التي تهتم حقًا بالأعمال التجارية.
كما أن الولايات المتحدة ضمنت أن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي الهادئ، لا يمكنها التقدم إلا بوتيرة أبطأ لأعضائها.
