مشاكل قطاع العقارات وتباطؤ الصادرات يهددان انتعاش البلاد بعد كوفيد
بعد خمسة أشهر من إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ الانتصار على الوباء وتخفيف الضوابط الاجتماعية الصارمة، كشفت بيانات جديدة صدرت مؤخرًا أن اقتصاد البلاد كان بعيدًا عن العودة إلى وضعه الجيد بشكل كامل.
يواصل المستهلكون الإنفاق، فيما يتجنب المشترون العقارات التي تعتبر أحد محركات النمو المركزية للاقتصاد الصيني، كما أن الصادرات، وهي محرك مهم آخر، تتراجع مع ارتفاع التضخم الذي يُضعف الطلب على السلع الصينية.
بدأت الحكومة بالفعل في خفض أسعار الفائدة، لكن المحللين قالوا إن الحوافز المالية وليست النقدية ضرورية لإبقاء تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم على المسار الصحيح.
ومن هنا، سلطت صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية الضوء على قطاعات تشكل أكبر عائق للاقتصاد، وكذلك تلك التي تتمتع بنظرة أكثر إشراقًا، بجانب خيارات صُناع السياسات لإنعاش النمو.
إشارات تحذيرية للعقارات
يقول المحللون إن قطاع العقارات الصيني، الذي يمثل نحو 30% من ناتجها الاقتصادي، هو السبب الجذري للاضطرابات الاقتصادية.
قال كريس بيدور، نائب مدير أبحاث الصين لدى “جافيكال دراغونوميكس”، إنه “ليس من المبالغة القول إن العقارات في هذه المرحلة تهدد الانتعاش الاقتصادي بأكمله”.
يشعر المستهلكون بالريبة تجاه القطاع، خاصة أن سوق العقارات أظهر علامات استقرار في الربع الأول بعد ركود طويل، لكنه بدأ في التراجع مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة.
أوضحت المجموعة البحثية “جافيكال” أن المبيعات وتشييد المشاريع الجديدة ومساحات الأراضي قيد الإنشاء تراجعت جميعها في مايو عند قياسها كحصة من مستويات 2019 المعدلة موسميًا قبل الجائحة، مضيفة أن عمليات استكمال المشاريع تباطأت إلى 24% على أساس سنوي من 42% في أبريل.
ويُتوقع أن تخفض الحكومة معدل الإقراض لخمسة أعوام والذي يُستخدم في الرهون العقارية، لكن المحللين قالوا إن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات لإنعاش القطاع، مثل تقديم ائتمان للمطورين الذين يعانون من ضائقة مالية وحوافز تشمل تخفيضات في مدفوعات الرهن العقاري.
الصادرات تتباطأ بشكل كبير
انخفضت الصادرات السنوية المقومة بالدولار الأمريكي بنسبة 7.5% الشهر الماضي، بعد ارتفاعها بنسبة 8.5% في أبريل مع تباطؤ النمو في الخارج الذي أضر بالطلب، ليتأثر بذلك ما كان يعتبر شريان حياة بالغ الأهمية للاقتصاد الصيني خلال أعماق الوباء.
قال محللون إن ضعف الصادرات والعقارات ربما امتد أيضًا إلى الإنتاج الصناعي الذي تباطأ في مايو، كما تحول الاستثمار الخاص في الأصول الثابتة ليصبح بالسالب لأول مرة منذ أكثر من عقد- باستثناء بداية الوباء في 2020- مما يشير إلى أن الشركات لم تكن تتخذ خطوة الاستثمار.
قال روب كارنيل، رئيس الأبحاث بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى “أي.إن.جي”، إن “قطاع التصنيع منهك تمامًا حاليًا كما أن الصادرات ضعيفة”، مشيرًا إلى احتمالية وجود تحول هيكلي في ظل قيود الصادرات الأمريكية المفروضة على السلع التكنولوجية الفائقة، خاصة مكونات أشباه الموصلات ومعدات صناعة الرقائق، ما يؤثر على تجارة الصين مع القوى الإقليمية مثل كوريا الجنوبية واليابان وتايوان.
ومن هنا، يمكن لصُناع السياسات اختيار تحفيز التجارة من خلال التسامح مع ضعف الرنمينبي، وهذا التكتيك سيكون مدعومًا بأسعار الفائدة المنخفضة، فبعد أن خفض بنك الشعب الصيني سياسته الرئيسية لسعر الفائدة يوم الخميس، انخفضت العملة بنسبة 0.3% مقابل الدولار إلى 7.1807 رنمينبي، وهو أدنى مستوى في ستة أشهر.
مبيعات التجزئة شُعاع الأمل
قال الاقتصاديون إن دعم الطلب المحلي القوي هو الأمل الأفضل لإنعاش النمو في كافة أنحاء الاقتصاد، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى سوق عمل أكثر إحكامًا وأجور أعلى، وفي النهاية عودة الثقة التي قد تمتد إلى قطاعي العقارات والتصنيع.
تعززت مبيعات التجزئة بنسبة 12.7% على أساس سنوي مع عودة المستهلكين إلى المتاجر بعد قيود الوباء الصارمة في العام الماضي، لكن الاقتصاديين قالوا إن المقياس انخفض شهرًا بعد شهر، على أساس معدل موسميًا، حيث بدأت التعزيزات التي أعقبت إعادة فتح البلاد في التلاشى.
البنية التحتية تفقد الزخم
أشار الاقتصاديون إلى أن الاستثمار في البنية التحتية نما على أساس سنوي بنسبة 8.8% في مايو، لكن المحللون حذروا من أن المقياس فقد زخمه أيضًا مقارنة بالعام الماضي، عندما كان ينمو بمعدل 10%، وربما لم يكن النمو في هذا القطاع قوياً كفاية لتعويض ضعف العقارات والصادرات.
قال الاقتصاديون إن بكين بحاجة للجوء إلى البنية التحتية لتحفيز النمو، ما يشير إلى أن صُناع السياسة قد يُطلقوا العنان للسندات الحكومية المحلية الخاصة لتحفيز الاستثمار.
السياسات التحفيزية
انتعاش الاقتصاد الصيني هش، وهو تحدِ اعترفت به الحكومة نفسها، فقد قال المكتب الوطني للإحصاء مؤخرًا إن “أساس الانتعاش الاقتصادي ليس متينًا بعد”.
لا شك أن الحاجة إلى مزيد من التحفيز ستزداد لإعادة النمو إلى مستويات ما قبل الوباء، ويُتوقع أن يُخفض البنك المركزي للبلاد أسعار الفائدة أكثر، وهي ستكون مصحوبة بإعفاءات ضريبية ودعم أكثر للشركات الصغيرة.
قال تاو وانج، كبير الاقتصاديين الصينيين في “يو.بي.إس”، إن الحكومة يجب أن تعطي الأولوية لوضع حد أقصى لمشاكل قطاع العقارات، “وإلا فإنه سيصعب للغاية تحقيق الاستقرار في الاقتصاد ككل”، مضيفة أنها خفضت توقعاتها للنمو الاقتصادي للعام بأكمله إلى 5.2% من 5.7%.
كذلك، خفض بنك “جي.بي مورجان تشيس” و”بنك أوف أمريكا” و”ستاندرد تشارترد” توقعاتهم، رغم أن جميعها تجاوزت الهدف الرسمي للحكومة البالغ 5%- وهو أدنى مستوى لها منذ عقود.
كانت الصين تضخ في الماضي استثمارات في قطاع العقارات للتغلب على الانكماش، لكن بكين أوضحت منذ فترة طويلة وجهة نظرها القائلة بأن “المنازل للعيش فيها، وليس للمضاربة”، الأمر الذي يخفف التوقعات بحدوث وفرة في النشاط في القطاع لدفع النمو.







