فى بعض الأحيان يبدو أن الاقتصاد والسوق يسيران فى وديان مختلفة.
فرغم أن المؤشرات الاقتصادية بدأت تعطى إشارات تنبىء بالركود، إلا أن مؤشر ستاندرد أند بورز 500، اتجه للارتفاع.
وفى وقت كان فيه النشاط التصنيعى ضعيف فى حين أن الخدمات أبدت مرونة، رفض الفيدرالى الأمريكى رفع الفائدة فى اجتماع يونيو للمرة الأولى فى أكثر من عام، لكنه قالها صريحة أن الباب مازال مفتوحًا لرفع مستقبلى فى أسعار الفائدة.
فى غضون ذلك أيضًا، أوروبا تعانى من الركود ولكن أسواق المال لديها صاعدة.
ومع دخولنا النصف الثانى من العام، يظل الوضوح غائبًا عن الصورة، فرغم أن هناك إشارات إيجابية بوسعنا تلقيها، لكن هناك مخاطر أيضًا.
التناقض بين الأسهم الأمريكية والاقتصاد
مع قرب نهاية النصف الأول من العام، الذى لم يسفر عن كثير من الوضوح، يظل هناك تباين ملحوظ، بين بعض شرائح الاقتصاد، سواء كان التصنيع الضعيف أو الخدمات المرنة، أو المؤشرات الاقتصادية الضعيفة أو الأخرى المرنة، وهو ما انعكس على أسواق المال.
ولعل انكماش مؤشر الثقة “كونفرنس بورد ليدينج إيكونوميك”، لأكثر من 13 شهرا متتاليا، أحد العلامات الانكماشية، إذ لم يحدث أن رأينا أطول من تلك السلسلة سوى فى فترات الركود عامى 1973 و2007.
وظاهريًا يبدو أن أسواق الأسهم لم تعبأ بذلك، إذ استمر مؤشر ستاندرد أند بورز فى الارتفاع، لكن حينما ننظر بتمعن، فإن ثمة بعض المخاوف، فمؤشر “راسل 2000″، المرتبط بالشركات الصغيرة والذى يتأثر كثيرًا بالنمو الاقتصادى، كان أداؤه أقل من ناسداك 100 الذى يتبع الشركات الكبرى والمتمحورة حول التكنولوجيا.
وفى حقيقة الأمر، تفوق مؤشر”راسل 2000” على ناسداك فى 10 أسابيع خلال 2023، لكن فى المرات التى كان أداءه منخفضًا فيها كانت الفجوة كبيرة بشكل ملحوظ، ويضع ذلك التباين فى الأداء شكوك حول استمرار ارتفاع السوق هذا العام.
الأمر الجيد هو أن نسبة المتداولين الذين يتداولوا محافظهم بأعلى من المتوسط المتحرك لأخر 200 يوم، ترتفع، وذلك أعطى إشارات إيجابية فى أول أسبوعين من يونيو ما أدى لدفع مؤشر “راسل 2000” مقارنة بمؤشرات أسهم الشركات الكبرى.
وحال استمر ذلك، قد يستمر السوق فى الارتفاع، لكن أحد المخاطر المتنامية التى تطل برأسها، هو الثقة فرغم أن مستويات الثقة ارتفعت فى يونيو بأقوى وتيرة منذ نوفمبر 2022، وفق مؤشرالجمعية الأمريكية للمستثمرين الأفراد، لكنه ما زال بعيد عن مستوياته السابقة.
الرؤية الأبعد لأسواق الدخل الثابت
مازال الفيدرالى الأمريكى متمسكًا باللعب على طريقته، برفع الفائدة ثم تثبيتها ثم سيعيد تقييم الموقف، فبعد رفع الفائدة على مدار 16 شهرا بوتيرة متسارعة، كان القرار بالتوقف وإعادة تقييم الأمور، لكن الفيدرالى قالها بصراحة إن الباب مفتوح أمام المزيد من رفع الفائدة، ومتوسط التوقعات تشير إلى رفع الفائدة مرتين بواقع 25 نقطة أساس لكل منهم هذا العام.
لكن، مع تباطؤ التضخم، والنمو الضعيف، والنظام المالى الذى مازال يعانى من تبعات فشل بعض البنوك، فإن نهج أكثر حذرًا يبدو على الطاولة.
وفى رؤيتنا نتابع بعض المؤشرات الرئيسية التى قد تشير إلى أن ذروة أسعار الفائدة قد تكون قريبة، على أن تبدأ فى الانخفاض على المديين المتوسط والطويل.
وأهم هذه المؤشرات هو تراجع الضعوط التضخمية، واتجاه مؤشر النفقات الشخصية- المؤشر المفضل لقياس التضخم من قبل الفيدرالى- والذى يتسبعد الطعام والطاقة، نحو هدف الـ2%.
وبشكل عام، انخفض المؤشر العام للتضخم فى النفقات الشخصية بشكل حاد من مستويات الذروة، لكن التضخم الأساسى لم يظهر تحسن مماثل فى الشهور الأخيرة، فى ظل الانفاق القوى على الخدمات مثل تذاكر الطيران، لكن فى الوقت نفسه، مع تباطؤ نمو زيادة الأجور، وانخفاض مستويات الادخار، وارتفاع معدلات البطالة، من المرجح أن يصبح المستهليكن أكثر حذرًا.
أما المؤشر الآخر هو الفائدة الحقيقية المرتفعة، إذ تعمل السياسة النقدية على رفع تكلفة الاقتراض لمستويات تُبطىء النشاط الاقتصادى، فمع رفع الفيدرالى الفائدة بأسرع وتيرة فى التاريخ الحديث، فإن مستويات الفائدة الحقيقية عند أعلى مستوياتها منذ 2009.
وتلك المستويات تجعل من الصعب على الأسعار تمويل مشترياتهم من السلع والمنازل والسيارات، وكذلك ترفع تكلفة تمويل الاستثمار والتوظيف والتوسع للشركات.
وبينما قد يختار الفيدرالى رفع الفائدة مرة أخرة هذا العام، لكن المزيد من التشديد النقدى فى تلك المرحلة قد يدفع الاقتصاد نحو ركود.
ونحن نعتقد أنه كلما شدد الفيدرالى السياسة النقدية، كلما انخفضت الفائدة على إصدارات الدخل الثابت الأطول الأجلًا، وسيعمق ذلك من منحن العائد المعكوس.
ويبدو أن الرحلة نحو خفض الفائدة ستكون وعرة، وسيكون هناك تدقيق فى تأثير كل البيانات المتاحة، على السياسة النقدية، لكن إجمالًا نحن نفضل تضمين الآجال الطويلة فى محافظ السندات، وللمستثمرين المتخوفين من التضخم، تقدم السندات المحمية من التضخم، عوائد حقيقية إيجابية.
ورغم أن أوروبا دخلت فى ركود رسميًا إذ انكماش اقتصاد منطقة اليورو 0.1% فى الربع الأول من 2023، بعد انخفاض مماثل فى الربع الأخير من 2022، فى أول انكماش متتالى منذ الجائحة، لكنه يُعد أحد أخف دورات الركود على الإطلاق مع انكماش الناتج المحلى إجمالًا 0.2% فى الربعين، كما أن الانكماش كان محصورًا فى القطاع التصنيعى والتجارة، لكن الخدمات واصلت النمو، فى ظل اتجاه المستثمرين لشراء التجارب والخبرات أكثر من السلع ويتضح ذلك فى توقعات اتحاد النقل الدولى الأسبوع الماضى بتضاعف إيرادات الطيران خلال 2023 فى ظل القفزة فى الطلب على الطيران فى أمريكا الشمالية وأوروبا.
ورغم الركود فى أوروبا، فإن المركزى الأوروبى لن يلجأ لخفض الفائدة طالما ظل التضخم أعلى من الهدف، ولعل رفع الفائدة المفاجىء بـ25 نقطة أساس من بنك كندا والاحتياطى الاسترالى، بعدما توقف الإثنان عن رفع الفائدة منذ بداية العام، تذكرة أن دورة رفع الفائدة لم تنته بعد، وأن البنوك مازالت تعتمد على البيانات لتقييم قراراتها.
كُتاب المقال:
ليز آن سوندرز، كبير محللى الاستثمار لدى “تشارلز شواب”
كاثى جونز، كبير محللى الدخل الثابت لدى “تشارلز شواب”
جيفرى كلينتوب، كبير محللى الاستثمار العالمى لدى “تشارلز شواب”
المصدر: الموقع الرسمى لمدير الأصول “تشارلز شواب”







